للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضالون في هذا وهذا، كما قد بُسِط في موضعه (١)، فإن نفس حُبِّ الله هو من كمال النفس وسعادتها التي لا يتحصَّل إلا بها، وليس هو (٢) مقصود، والعلم بالله مقصود لنفسه، والعلم الإلهي الذي عندهم غايته معرفةُ وجودٍ مطلق [م ٢٣] لا يُتصور إلا في الأذهان لا في الأعيان.

وهؤلاء يجعلون الدعاء إنما هو قوة للنفس لتؤثِّر في هَيُولى العالم (٣)، والشفاعة إنما هي فيضٌ تفيض من الشافع على المشفوع، كما يفيض شعاع الشمس، فليس عند هؤلاء في الحقيقة سؤال لله ولا عبادة له، وعندهم كمال النفس في الفلسفة: التشبُّه بالإله على حسب الطاقة، فلا يجعلون العبد عابدًا لربه، ولا مستغنيًا به، بل تفيض عنه الأمور كما تفيض عن الربّ عندهم، وعن العقول كالعقل الأول، والعقل الفعَّال، ويَدَّعون أن العقول التي يثبتونها هي من الملائكة في لسان الأنبياء، وهذا من أعظم الباطل الذي قد بُسِط الكلامُ عليه في غير هذا الموضع (٤).

بل الملائكة من أعظم المخلوقات عبادةً لله وسؤالًا له، كما أخبر الله


(١) انظر «الرد على المنطقيين» (ص ١٤٥)، و «الصفدية»: (٢/ ٢٣٢)، و «الفتاوى»: (٩/ ١٣٦).
(٢) أي العلم الإلهي الذي عندهم.
(٣) الهيولى: لفظ يوناني بمعنى: الأصل والمادة، وفي الاصطلاح: جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورتين: الجسمية والنوعية. انظر «التعريفات» (ص ٢٥٧)، و «التوقف على مهمات التعاريف» (ص ٧٤٥).
(٤) انظر ما سبق (ص ٢٠ - ٢٢)، و «الفتاوى»: (١١/ ٢٢٩ - فما بعدها).