للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن في «فصوص الحكم» (١): «فكان موسى أعلم بالأمر من هارون، فإنه علم ما عَبَدَه أصحاب العجل، لِعِلمه بأنَّ الله قد قضى أن لا يُعبد إلا إيَّاه، وما قضى الله بشيء إلا وقع، وكان عَتَب موسى على أخيه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه. فإن العارف من يرى الحقَّ في كل شيء، بل من يراه عين كل شيء».

وذلك أنه حرَّف القرآن، وهُم دائمًا يحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه، ويُلحِدون في أسماء الله وآياته، كما يفعل إخوانهم من ملاحدة الشيعة الباطنية، كالقرامطة من الإسماعيلية وغيرهم، والله سبحانه قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] أي: أمر ربك بذلك، ففسروا هم ذلك المعنى أنه قدَّر أنه لا يُعبد إلا هو.

فكل ما عَبَده المشركون فهو عندهم الله، إذ ليس لغيره وجود، وهو عندهم العابد والمعبود، فلهذا زعم أن موسى أقَرَّهم على عبادة العجل.

فقد قلتُ لبعضِ من كان معظِّمًا لهم، وكان أبوه من شيوخهم وهو سعيد الفَرْغاني (٢) الذي شرح قصيدة «نظم السلوك» لابن الفارض، وكان قد قرأها على القُوْنَوي، وكان التِّلِمْساني أيضًا تلميذ القُوْنَوي، وكان القُوْنَوي قد جاء في رسالة إلى مصر، فاجتمع بابن سبعين لما قدِم من الغرب، وكان التِّلِمْساني مع شيخه القونوي، فقيل لابن سبعين: كيف وجدته ــ يعنون في العلم الذي هو عندهم علم التحقيق والتوحيد ــ؟ فذكر أنه من المحققين، لكن معه شابٌّ


(١) (ص ١٢٨). وقد سبق هذا النقل عن ابن عربي (ص ٢١٧) مع بعض الفروق.
(٢) سبقت ترجمته (ص ١٩٨).