للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقامات العارفين، وما ذكره في ذلك فكلامه هو من أدنى كلام أهل المعرفة والتصوف، وقد جعل غايتهم فناء العارف حتى يغيب عن نفسه وغيره.

وهذا قول طائفة من الصوفية جعلوا الفناء هو منتهى سلوك العارفين، وطائفة أخرى يجعلونه من اللوازم في طريق العارفين، وكلُّ ذلك خطأ، بل هذا الفناء أمر يعرض لبعض السالكين، ليس من لوازم الطريق فضلًا عن أن يكون هو منتهى سلوك السالكين، ليس من لوازم الطريق فضلًا عن أن يكون هو منتهى سلوك السالكين. ولهذا لم يقع هذا الفناء للصحابة الذين هم أفضل الخلق بعد الأنبياء، فضلًا أن يقع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن مضمونه نقص المعرفة وعدم العلم، وليس هذا من صفات الكمال، بل إذا كان العبد يذكر الله ويعرفه معرفةً مفصلة، متناولةً لأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، وشهد المخلوقات يدبِّرها الخالق ويُصَرِّفها بمشيئته، كما هو الأمر عليه في نفسه، كان هذا المشهد أكمل [م ٩٩] وأتمّ من مشهد أهل الفناء والاصطلام.

وقد قدَّمنا (١) أن لفظة الفناء تطلق على ثلاثة أمور:

أحدها: أن يفنى العبد بعبادته عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حبِّ ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، فهذا حال أهل التوحيد والإخلاص كالرسل وأتباع الرسل، وهذا هو أصل ملة إبراهيم، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.

وهذا الفناء مقرون بالبقاء، فإن نفي إلهيَّةِ ما سوى الله مقرون بإثبات


(١) (ص ١٥٠).