للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القائل: «أول منزل يطؤه المحب للترقِّي منه إلى العَليّ فهو النفس، فيشتغل بسياستها إلى أن يعرفها، فهناك يُشرق عليه نورُ القلبِ فيشتغل بسياسته ومعرفته، فإذا صحَّ له ذلك رُقِّي إلى المنزل الثالث وهو الروح» (١).

يقال له: إن أراد بالنفس والقلب والروح هنا ذات لها صفات متعددة فهذا صحيح.

فأما تقديم مسمَّى النفس على القلب ومسمَّى القلب على الروح فهذا أمرٌ اصطلاحي، ففي كلام الله ورسوله لا أصل لهذا الترتيب، بل القلب يوصَف بالصلاح تارة وبالفساد أخرى، لما في الحديث المتفق على صحته: «ألا وإنَّ في الجَسَد مُضغة ... » وقد ذكرناه (٢).

وكذلك لفظ «النفس» تُمْدَح تارة وتُذَم: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: ٢٧]، {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: ٢]، وقالت امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣].

وكذلك لفظ «الروح» كما في حديث قَبْض الروح: «اخرجي أيتها الروحُ الطيبة كانت في الجسد الطيب» (٣)، ويقال: «اخرجي أيتها الروحُ الخبيثة كانت في الجسد الخبيث». وفي «الصحيح» (٤): «الأرواحُ جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارفَ منها ائتلفَ، وما تناكَرَ منها اختلف».


(١) انظر ما سبق (ص ١٥٨).
(٢) سبق (ص ١١٥، ١٧٤).
(٣) سبق تخريجه (ص ١٧١). وما يليه قطعة منه.
(٤) أخرجه البخاري (٣٣٣٦)، ومسلم (٢٦٣٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.