للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفلاسفة لا يوجبون عبادة الله، ولا يحرِّمون عبادة ما سواه، فهم خارجون عن الإسلام العام الذي لا يَسْعَد أحدٌ إلا به، ولا يقبل الله دينًا سواه.

فهذا أصلٌ يجب معرفته، وأنه في كل زمان ومكان إنما تَحْصُل السعادة بعد الموت بالإيمان والإسلام، لكن شرع بعض الشرائع تحت شرائع الأنبياء (١).

وأما حصول السعادة بمجرد ما يدَّعيه هؤلاء من العلم، أو العلم والأخلاق، فهذا باطلٌ معلوم الفساد، مع أنه ليس لهم عليه دليل صحيح.

ولمَّا كان أصل هؤلاء: أن العبادات والأخلاق إنما هي وسائل إلى مجرد العلم، كان المصنفون على طريقهم في الفلسفة كابن سينا والرازي في «المباحث المشرقية» (٢) وغيرها، يجعلون الكلام في الأخلاق والسياسات المنزلية والبدنية تنتظمُ الكلامَ في الشرائع الإلهية التي جاءت بها الأنبياء، كمباني الإسلام الخمس من الصلاة والزكاة والصيام والحج، فيجعلون هذه وأمثالها تتعلق [م ٩٥] بعلوم الأخلاق والسياسات.

ومقصود ذلك إما سياسة الأخلاق وإما سياسة العالم للعدل في الدنيا ودفع ظلم بعضهم عن بعض، لا لأن ذلك يوجب السعادة في الآخرة، ولا جزء من الموجب للسعادة، ولا هو بنفسه كمالٌ للنفس، بل هو متعة (٣) للنفس، ووسيلة لها إلى كمالها.


(١) كذا العبارة في (م).
(٢) انظر (١/ ٥١٠ - ٥١١).
(٣) (م): «معه»، وتحتمل «منفعة» كما سيأتي بعد سطرين.