للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونرى صاحبَ هذا المقام الفاسد يحتجُّ بالقدر، وبعضهم يروي أنَّ أهلَ الصُّفَّة قاتلوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - شهودًا للقدر وتوحيدًا للربوبية، وهذا من أعظم الفِرية على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه (١)! وهذا حال المشركين الذين احتجُّوا بالقدر على ترك التوحيد، وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨]، فإن طَرَد صاحبُ هذا القول مقالَه انتهى إلى شركِ عُبَّاد الأوثان من العرب وغيرهم، فإنهم كانوا مقرِّين بتوحيد الربوبية، ولكن عبدوا غيرَ الله بغيرِ إذنِ الله، فمن عبد غيرَ الله، أو عبد الله بغير شرعه، ففيه شوبٌ من شبه المشركين والنصارى، وإذا تعلق مع ذلك بتوحيد الربوبية كان كالمشركين الذين تعلقوا بتوحيد الربوبية.

والمشايخ المستقيمون (٢) كالفُضيل بن عِياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني (٣)، ومعروف الكَرْخي، وأمثالهم، هم المتبعون


(١) قال المصنف في «الفتاوى»: (١١/ ٥٢): «فمن لم يؤمن بأن محمدًا رسول الله إلى جميع العالمين، وأنه يجب على جميع الخلق متابعته، وأنَّ الحلال ما أحلَّه الله والحرام ما حرمه الله والدين ما شرعه= فهو كافر مثل هؤلاء المنافقين ونحوهم ممن يجوِّز الخروج عن دينه وشرعته وطاعته ... ويحتجون بما يفترونه: أن أهل الصُّفة قاتلوه، وأنهم قالوا: نحن مع الله، من كان الله معه كنا معه. يريدون بذلك القدر والحقيقة الكونية دون الأمر والحقيقة الدينية. ويحتج بمثل هذا من ينصر الكفار والفجار ويخفرهم بقلبه وهمته وتوجهه ... » اهـ بتصرف. وانظر: (١٠/ ٣٨٤).
(٢) (م): «المستقيمين».
(٣) هو: عبد الرحمن بن عطية أبو سليمان الداراني الدمشقي، من كبار مشايخ الصوفية (ت ٢١٥). ترجمته في «طبقات الصوفية» (ص ٧٥ - ٨٢) للسلمي، و «الحلية»: (٩/ ٢٥٤ - ٢٨٠)، و «الرسالة القشيرية»: (١/ ٦١ - ٦٢)، و «السير»: (١٠/ ١٨٢).