للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتأخرين يريدون به غير ما أراد الله ورسوله، فيتكلَّمون بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، ومرادهم بها غير ما أراد الله ورسوله؛ فيحصل (١) بذلك ضلال لكثير من الناس، فإنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبحان ذي الجَبَروت والمَلَكوت والكِبرياء والعَظَمة» (٢) , وهو لم يُرِد بالجبروت والملكوت العقولَ والنفوسَ التي تقصدهما الفلاسفة باتفاق علماء المسلمين، ولا يقول مسلم: إن ملائكة الله الذين وصفهم في كتابه هي العقولُ العشرة والنفوسُ الفَلَكية التي يذكرها الفلاسفة.

وهؤلاء الفلاسفة يقولون: إنَّ العقل الأول هو المُبْدعِ لكلِّ ما سوى الله، والعقل الفعَّال العاشر هو المبدع لكلّ ما تحت فلك القمر.

ومعلومٌ أن هذا من أعظم الكفر في [ت ٢٦] دين المسلمين، فإنَّ مسلمًا لا يقول: إن مَلَكًا من الملائكة خَلَق كلَّ ما تحت السماء، ولا يقول: إن مَلكًا من الملائكة خَلَق جميع المخلوقات، بل القرآن قد بَيَّن كفرَ مَن قال: إنهم متولِّدون عنه، فكيف بمن قال: هم متولِّدون عنه، وأنهم خالقون لجميع المخلوقات؟! قال الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ


(١) كتب بعدها في (ت): «لهم» وكأنها مضروب عليها.
(٢) أخرجه أحمد (٢٣٩٨٠)، وأبو داود (٨٧٣)، والنسائي (١٠٤٩)، والترمذي في «الشمائل» (٣١٣)، والبيهقي: (٢/ ٣١٠) وغيرهم من حديث عوف بن مالك. والحديث صححه النووي في «خلاصة الأحكام»: (١/ ٣٩٦)، وقال في «الأذكار» (ص ٨٦): «هذا حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في كتاب الشمائل بأسانيد صحيحة». وحسَّنه الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»: (٢/ ٧٤ - ٧٥) وتعقب النوويَّ في تصحيحه له.