للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه سؤاله لله، وأمَرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو هو أيضًا، ويتوسَّل إلى الله بسؤال الرسول، ولهذا أمره أن يقول في الدعاء: «اللهم فشفِّعه فيَّ»، قال ذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له، وأمرَه هو أن يسأل الله قبول شفاعة الرسول فيه. وكذلك حديث الأعرابي وسؤاله الغَيْث وإزالته، وهو في «الصحيحين» (١).

ومن قال: إن العبد قد يستغني عن سؤال الله ودعائه؛ فهو بمنزلة من قال: إنه يستغني عن عبادة الله وطاعته، بل سؤال الخلق لربهم أكثر من عبادتهم، فإنه يسأله المؤمن والكافر، ولا يعبده إلا المؤمن، قال الله تعالى: {(٢٨) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي} [الرحمن: ٢٩]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: ٦٧].

وإن قيل: المراد بذلك: يُلهمه عبادتَه وطاعتَه فيغنيه عن سؤاله.

قيل: سؤاله ودعاؤه الواجب والمستحب من أكبر عبادات العبد وطاعته، فكأنه قال: لا تجعلني أعبدك بسؤالك والتضرُّع إليك.

وكذلك لمَّا قيل: {(٣٥) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: ٣٦]. قيل: «عبده» هنا هو الذي يعبده بما أمر، والدعاءُ الواجبُ والمستحبُّ من جملة ذلك.

فإن قيل: مراده: حاجات الدنيا، أي: اقْضِها لي بدون سؤال.

قيل: هذا باطل لوجوه:


(١) البخاري (٩٣٣)، ومسلم (٨٩٧) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.