للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبك أُعطي، وبك الثواب وبك العقاب»، وعندهم أنه مُبْدِع لجميع الكائنات.

والحديث مقصودُه أن الله لما خلقَ العقلَ الذي في بني آدم، والعقل في لغة المسلمين عَرَض من الأعراض ليس هو جوهرًا قائمًا بنفسه. فالحديث لو كان صحيحًا لم يدل إلا على ضدِّ قولهم، فهم جُهَّال بسنده ومتنه.

وأما قوله: «فأمدّه الله بنور الروح الرباني، فعرف به هذا الموجود، فرقّي إلى ميدان الروح الرباني، فذهب جميع ما تحلَّى به هذا العبد تخلَّى عنه بالضرورة وبقي كلا شيء موجود، ثم أحياه الله بنور صفاته فأدرجه بهذه الحياة في معرفة هذا الموجود الرباني. فلما استنشق من مبادئ صفاته كاد يقول: هو الله، فلحقته العناية الأزلية فنادته: ألا إنّ هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحدٍ أن يصفه، ولا أن يعبِّر عن شيءٍ من صفاته لغير أهله، لكن بنورِ غيره يعرفه» (١).

فيقال: هذا بناه على ترتيبه، أنه جعل النفس ثم القلب ثم العقل ثم الروح، وهذا ليس من المتفلسفة، فإنه ليس عندهم وراء العقل الأول غير الواجب، ولكنه في كلام طائفة من متأخّري [م ٦٦] الصوفية، وأرادوا أن يجمعوا بين ما جاء من كلام الأنبياء وكلام الفلاسفة، فسمعوا قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: ٣٨] فقالوا (٢): هذا الروح فوق الملائكة، والملائكة هي العقول، فيكون هذا الروح غيرها.


(١) سبق النص (ص ١٦٠ - ١٦١).
(٢) (م): «فقال».