فليس لأحد أن يعتقد من المستحبّات ما لم يدلّ الدليل الشرعي على استحبابه.
ومما ينبغي أن يُعرَف حتى لا يشتبه المعروف بالمنكر أن من الناس مَن يكون له حزبٌ لنفسه؛ كأعدادٍ من الركعات يصليها بمقدارٍ من القرآن يقرَؤها، وله أيضًا دعوات يدعو بها وأذكار يذكرها، فإذا كان جنس ذلك مشروعًا وليس فيه ما يُنهى عنه فليس هذا بمنكر إذا فعَلَه هو أو فعله غيره، لكن إذا جَعَل ذلك سنةً راتبةً للناس يجتمعون عليها اجتماعًا راتبًا= فهذا هو المنكر.
وأما إن كان في الذِّكر والدعوات ما هو منكر في نفسه كالحزب المسؤول عنه وغيره، فهذا يُنكر مطلقًا. ففرقٌ بين ما يكون جنسه سائغًا ليس فيه منكر وإنما المنكر اتخاذُه سنة، وإحداث اجتماع راتب غير مشروع، وبين ما يكون فيه كلام هو في نفسه منكر. ثم ذلك الكلام له مراتب أيضًا.
وهذا الذي صار في جنس العبادات من الأمور المشروعة وغير المشروعة والأحزاب ونحوها هو نظير ما صار في جنس الاعتقادات من الأمور المشروعة وغير المشروعة، فليس لأحدٍ أن يصنع للناس عقيدةً يدعوهم إليها ويذم ما خالفها إلا ما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ت ١١] بيَّن للناس دينهم، وأكمل الله تعالى له ولأمته الدينَ عقائدَه وأعمالَه، فكما أنه ليس لأحدٍ أن يشرع عبادةً لم يأذن الله تعالى بها، فليس له أن يشرع اعتقادًا لم يأذن الله تعالى به.