للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع هذا فالواجب على أبي بكر وعمر وسائر الخلق الاعتصام بالكتاب والسنة ومتابعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يَزِنوا أقوالَهم وأعمالَهم الباطنة والظاهرة بالكتاب والسنة.

وأبو بكر أفضل من عمر - رضي الله عنهما -، فإنه كان صِدّيقًا يتلقّى من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتلقى من قلبه، وعمر كان مُحدَّثًا له إلهام وحديث إلهيّ لكن ليس معصومًا، بل عليه أن يعرضه على الكتاب والسنة.

ومن كانت الواسطة بينه وبين الله عز وجل نورَ النبوة المحمدية كان أكمل ممن كان قلبُه واسطةً له في بعض الأمور لاحتياج قلبه إلى نور النبوّة، ولهذا كان أبو بكر يُبيِّن لعمر أشياء وقعت في قلبه، فيبيّن له فيها الصواب، فيرجع عمر إلى أبي بكر، كما رجع إليه عامَ الحديبية لما قال له: ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أوَليس عدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطي الدنيةَ في ديننا؟! فقال: إنه رسول الله، وهو ناصره، وليس يعصيه. قال: أفلم يَعِدْنا أنّا نأتي البيتَ ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرَكَ أنه يأتيه العامَ؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه تطوف به. رواه البخاري وغيره (١).

وهذا الجواب أجابه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سأله كما سأل أبا بكر. وهذا يدل على كمال معرفة أبي بكر - رضي الله عنه - وموافقته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أكمل في ذلك من عمر وغيره.

وكذلك لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ظنّ عمرُ - رضي الله عنه - أنه لم يَمُت، وقال: إن رسول الله لا يموت حتى يُدْبِرَنا، أي يكون آخرنا، حتى جاء أبو بكر - رضي الله عنه -،


(١) أخرجه البخاري (٣١٨٢)، ومسلم (١٧٨٥) من حديث سهل بن حُنيف - رضي الله عنه -.