أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم. حتى إن الرسل لا يرونه إلا من مشكاة الولي خاتم الأولياء.
وإن كان خاتم الأولياء تابعًا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل، فإن الرسالة والنبوة ــ أعني نبوة التشريع ورسالته ــ منقطعان، وأما الولاية فلا تنقطع أبدًا. فالأنبياء مِن كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأنبياء، فكيف بمن دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعًا لما جاء به خاتم الأنبياء من التشريع؛ فذلك لا يقدح في مقامه، ولا يُناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجهٍ يكون أَنْزَل كما أنه من وجهٍ يكون أعْلى.
وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مُثِّلت له النبوة بالحائط رأى نفسَه تنطبع في موضع لبنة، وأما خاتم الأولياء فيرى نفسه تنطبع في موضع لبنتين، فإنه موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما سمعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السِّرِّ ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلابدَّ أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول (١).
وهذا يقوله مَن يقوله بناءً على أصله الفاسد، وهو الفلسفة التي أخرجها في قالب التصوف والكشف، فإن المَلَك عندهم هو الخيال الذي يتشكَّل في نفس النبي وغيره، فتلك [م ٦٠] الخيالات هي ملائكة الله عندهم, والخيال
(١) هنا ينتهي كلام ابن عربي من كتابه «فصوص الحكم» (ص ٢٧ - ٢٩) مختصرًا. وللمصنف - رحمه الله - كتب ورسائل كثيرة في هتك مذاهب الحلولية الاتحادية، والرد على ابن عربي في «فصوص الحكم» وغيره، كما في المجلد الثاني من «مجموع الفتاوى» و (١٨/ ٣٦٧ - ٣٧٤)، و «بغية المرتاد» وغيرها.