للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخر بنفسه، لا يفتقر إلى متميز عن غيره بشيء آخر، فإن ذلك الشيء إن تَمَيَّز بنفسه فقد ثبت أن الشيء متميز بنفسه، وإن كان بشيء آخر لزم التسلسل في المتميزات في آنٍ واحد، وهو من جنس التسلسل في المؤثرات، وهو باطل باتفاق العقلاء. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (١).

والمقصود هنا التنبيه على أنه لابد من الاعتراف بموجودَيْن قديم وحادث، واجب وممكن، خالق ومخلوق، وأنْ لا بُدَّ من اتفاقهما في بعض الأسماء والصفات، وذلك لا يوجب تماثلهما في شيء من الأشياء، فإنه إذا قيل: هذا شيء موجود قائم بنفسه، وهذا شيء موجود قائم بنفسه، لم يكن بينهما تماثُل في شيء من الأشياء، بمعنى أن ما ثبت لأحدهما في الخارج لا يماثل ما ثبت للآخر، لكن اتفقا في مسمَّى القَدْر المشترك.

فإن قال القائل: قد تماثلا فيه بمعنى أنهما متماثلان في الكلِّيّ الذهني دون الموجود الخارجي، لم يُنازع في ذلك [م ١٠٤] فإن المقصود أن ما ثبت لأحدهما لا يماثله فيه الآخر, وأما في الذهن فليس مختصًا بأحدهما، بل ولا هو قائمًا بأحدهما.

فإذا قيل: لفظ الوجود أو العلم أو الحياة أو القدرة أو العليم أو الحكيم أو غير ذلك، فله ثلاثة (٢) اعتبارات.

أحدها: أن يختص بالمخلوق، فيقال: وجود العبد أو علمه أو قدرته، أو يقال: هذا الإنسان العالم أو الحكيم. فالرب تعالى مُنَزَّهٌ عن كلِّ ما يختص بالمخلوقين، وليس الربُّ متصفًا بشيء من ذلك، فضلًا عن أن يماثل ذلك.


(١) انظر ما سبق (ص ٢٣٦)، و «الصفدية»: (١/ ٢٣ وما بعدها).
(٢) (م): «ثلاث».