للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهذا. ودينُ المسلمين: أن السير من المخلوقات إلى الخالق، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦]، وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: ١٠٨].

ولا ريب أن الجهمية الذين لا يثبتون للمخلوقات ربًّا مباينًا للمخلوقات غالبًا عليها، إذا سلكوا وتوجَّهوا انتهوا إلى القول بالوحدة، فيكون سيرهم من المخلوقات إلى المخلوقات. وهم يرون المخلوق هو الخالق، [فليس] (١) قولهم: إنه ما ثَمَّ موجودٌ إلا العالم كما قاله فرعون، لكن هم يقولون: العالم هو الله، وفرعون كان يُظهر إنكار وجود الله. ولهذا كان ابن عربي وغيره من أهل الوحدة يُعَظِّم فرعون.

ولقد سألني قديمًا عبد الله (٢) الذي كان قاضي اليهود ودعَوتُه إلى الإسلام، وبينتُ له أعْلامَه حتى أسلم وحَسُن إسلامه، سألني عن قول هؤلاء، وكان قد اجتمع [م ٧٠] بشيخ منهم يُقال له: حسن الشيرازي، فبينتُ له فساد قول هؤلاء، وأن حقيقته حقيقة قول فرعون. فقال: هكذا قال لي


(١) لم تظهر في (م)، ولعلها ما أثبت.
(٢) كذا في (م)، وصوابه «عبد السيد» كما في جميع المصادر. وقد ترجم له ابن كثير فقال: الحكيم الفاضل البارع بهاء الدين عبد السيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الطبيب الكحال المتشرِّف بالإسلام، ثم قرأ القرآن جميعه لأنه أسلم على بصيرة، وأسلم على يديه خلق كثير من قومه وغيرهم، وكان مباركًا على نفسه وعليهم، وكان قبل ذلك ديَّان اليهود (أي رئيسهم الديني)، فهداه الله تعالى، أسلم على يدي شيخ الإسلام ابن تيمية، وتوفي (٧١٥). «البداية والنهاية»: (١٨/ ١٠، ١٤٨)، و «الدرر الكامنة»: (٢/ ٤٧٦).