للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتصوف من المثبتين للقَدَر يقولون: إن الأمر يصدر عن مشيئة محضة بلا حكمة ولا رحمة، وأنه ليس في المخلوقات أسباب ولا قُوَى. فهذا قولٌ قالته طائفة، وإن كان السلف وجمهور الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وجمهور أهل الكلام على خلافه، لكنَّ هؤلاء مع هذا يقرون بالأمر والنهي والوعد والوعيد، ويقولون: إرسال الرسل، وإنزال الكتب، مما صدرت عن الرب بمشيئته، وعُلِمَت هذه الأمور بالسمع، وعُلِم وقوعُها لإخبار الله بها، فهم يقولون وسائر الملل: لا يجوز أن يُسأل ما قد أخبر أنه لا يفعله.

فقول صاحب الحزب مردود على أصلهم أيضًا كما هو مردود على أصل الجمهور، وبمثل (١) هذا الرأي الفاسد يفتري كثير من السالكين الناظرين إلى محض القَدَر، فإنهم إذا شهدوا الربوبية العامة والقيومية (٢) الشاملة لكل شيء، وشهدوا الحقيقة الكونية، ورأوا توحيد الربوبية= ظنوا أن الكمال هو في الفناء في توحيد الربوبية، وهذا غَلَط عظيم وضلال مبين [م ٢٨] وقع فيه كثيرٌ من السالكين (٣).

وكان قد وقع بين الجُنَيد وأصحابه وبين طائفة من الصوفية في زمانه كلام في هذا المقام، وهم يُسَمُّونه: الجَمْع، فقال الجُنيد بعد هذا المقام: الفرق الثاني: تحقيق العبودية لله، وهذا الفرق الذي انتقل إليه المؤمن (٤)، فإنَّ


(١) (م): «ومثل».
(٢) (م): «القيومة» وستأتي على الصواب (ص ١٥٣).
(٣) انظر «الفتاوى»: (٢/ ٤٥٧)، (٨/ ١٠١، ٣٦٩)، (١٠/ ٤٩٧).
(٤) من قوله: «تحقيق العبودية ... » إلى هنا لحق، لكن لا توجد إشارة واضحة لمكانه، فلعله هنا.