للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا أخذوا عن مشكاة صاحب «الأنوار» (١) لمّا سمى الحقَّ نورًا بما يناسب هذا، وتبعه عليه ابنُ رشد الحفيد، فاختار له من الأسماء اسم النور، والنور يُقال فيه: أشرق وظهر ونحو ذلك.

فيقال: إن أُريد بظهور الحق في هذه الأمور نفس وجود ذاته فيها، فهذا صريح الحلول والاتحاد. وإن أُريد به أنه عُرِف وعُلِم، فكلُّ ما في الوجود من شواهد الحقِّ وأعلامه ودلائله وآياته، وهذا حكمٌ يَعُمُّ المخلوقات، ويتناول جميع المصنوعات، سواء سُمِّيت مُحْدَثات أو ممكنات، أو غير ذلك.

فكل ما سوى الله فقير إليه من كل وجه، محتاج إليه حاجةً مطلقة عامة، فلا وجود لذاته ولا شيء من أحواله وأوصافه إلا بالله، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فوجود كل منها مستلزمٌ لوجود الحقِّ، وكلُّ ملزومٍ فهو دليلٌ على اللازم، كما أن كل دليل فهو ملزومٌ لمدلوله.

وكون هذه الموجودات محتاجةً إلى الله، ودليلًا عليه، أمر ذاتيٌّ لها لازم، لا يمكن أن تكون إلا كذلك، فكما أن الخالق غنيٌّ بذاته عن كل شيء يمتنع لذاته أن يكون فقيرًا بوجهٍ من الوجوه، فما سواه فقير لذاته يمتنع أن يكون غنيًّا عن الله بوجهٍ من الوجوه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

والموجود إما قديم وإما محدَث، والمحدَث لا يكون محدَثًا إلا بقديم.

وكذلك الموجود إما واجب لنفسه وإما ممكن، والممكن لا يكون موجودًا إلا بواجب لنفسه.

وكذلك الموجود إما مخلوق وإما غير مخلوق، والمخلوق لا بدَّ له من


(١) هو الغزالي.