للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمي قال كلٌّ ما خطر له وتخيله. وهؤلاء كثيرًا ما تخيلوا أشياء لا حقيقة لها يظنونها في الخارج (١)، ويسمي الخيالَ أرضَ الحقيقة، ويعظِّمُ أمرَه. ولعمري إن الخيال الباطل الواسع هو (٢) من إلقاء الشيطان، والوسواس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

ثم إنه انتقل من هذا الترتيب إلى أن جعل العقل أولًا، ثم الروح، ثم القلب، ثم النفس، وهذه أمور في الإنسان لا في الخارج، فجعل هذا مثل هذا، وهو كلامٌ باطل لا يدل عليه شرع ولا عقل، بل يعلم بطلانه بالشرع والعقل.

وقد قدمنا الكلامَ في ذلك (٣)، وبينّا أن ذات الإنسان واحدة، ولكن لها صفات متعددة، فباعتبار كلِّ صفة يسمى باسم. فأمَّا أن يكون روح الإنسان أو بدنه أعيانًا قائمة بأنفسها هي أجسام أو جواهر قائمة بأنفسها، إحداها: العقل، والثاني: الروح، والثالث: النفس= فهذا باطلٌ قطعًا.

وأيضًا فقول القائل: «ظهر» يُفهم منه في اللغة المعروفة أنه ظهر لغيره فعرفه، أو رآه بعد أن لم يكن كذلك، مع كونه كان موجودًا في نفسه، كما يقال: ظهر الهلالُ وظهرت الشمس ونحو ذلك.

وهؤلاء قد يريدون بالظهور نفس الوجود ويقولون عن الموجودات: مظاهر الحق ومَجَالِيْه، وليس مرادهم أنه عُرِف بها ودلَّت عليه وشهدت له [م ٨٦] بل مرادهم أنه انكشف موجودًا فيها، وهو لم يزل فيها عندهم، لكنه ظهر للسالك ما لم يكن ظاهرًا له.


(١) بعده في (م) بياض مقدار كلمة.
(٢) (م): «وهو».
(٣) (ص ١٧٦ - ١٧٧).