للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كان منتهى الفلاسفة الإلهيين هو بداية الداخلين في الملل دخولًا حقيقيًّا من اليهود والنصارى فضلًا عن المسلمين، لكن تسلطوا على كثير من المنتسبين إلى الملل، لِمَا فَرَّطوا فيه من معرفة ما جاءت به الرسل من العلم الإلهي الذي هو أشرف العلوم.

فطائفة من الناس توافقهم على الأصل الأول دون الثاني، وهو مَن يظنُّ أن كمال النفس وغايته هو مجرّد العلم، لكن يعلم أنهم مُخَلِّطون في العلم الإلهي، فيطلب هو علم ذلك من الجهة التي نفوها (١). وهذا حال كثير من الناس. وفي كلام أبي حامد أحيانًا إشارة إلى ذلك، هو قريب من مذهب جَهْم بن صفوان ومَن وافقه، كالصالحي (٢)، والأشعري ــ في أحد قوليه ــ الذي جعل الإيمان مجرد العلم بالله.

لكن جهمٌ وأتباعه خير من هؤلاء من جهتين (٣): من جهة أن ما عندهم


(١) غير بينة في (م)، وهكذا قرأتها.
(٢) قال الشهرستاني في «الملل والنحل»: (١/ ١٤٢): «الصالحية: أصحاب صالح بن عمر الصالحي. والصالحيُّ، ومحمد بن شبيب, وأبو شمر, وغيلان: كلهم جمعوا بين القدر والإرجاء ... فأما الصالحي فقال: الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق، وهو أن للعالم صانعًا فقط، والكفر هو الجهل به على الإطلاق ... » اهـ. وقد نقل أبو الحسن الأشعري في «مقالات الإسلاميين» كثيرًا من آراء أبي الحسين الصالحي في العقيدة وعدَّه من فِرَق المرجئة، وعنه المصنف في «الفتاوى- الإيمان»: (٧/ ٥٠٩ - ٥٤٤) لكن في الموضع الثاني (أبو عبد الله). وانظر «الوافي بالوفيات»: (١٦/ ٢٦٧).
(٣) ذكر المؤلف ثلاث جهات. وانظر «الرد على المنطقيين» (ص ١٤٦)، و «الصفدية»: (٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥).