كالقاضي أبي بكر (١) والقاضي أبي يعلى وغيرهما، وهؤلاء يقولون: فِعْله متعلق بمحض المشيئة لا علة له، والظلم هو الممتنع لذاته، وكل ممكن فهو عدل. وعلى هذا فالله عالم بكل شيء لا يخاف شيئًا، فيمتنع وصفه بالبخل. وأمَّا الكرم فهو فِعْل ما فعله، فكل ما فعله فهو الكرم عندهم.
والقول الثاني: قول القدرية الذين يقولون: فَعَلَ بكل عبد ما يقدر عليه من النعم الدينية، وفي النعم الدنيوية قولان، لكنَّ العبد هو الذي صرفَ نعمتَه في معاصيه، وهؤلاء يقولون: ما لم يوجد من الإحسان لم يكن مقدورًا له.
الثالث: قول الفلاسفة الذين يقولون: هو موجبٌ بذاته، ففعله من لوازم ذاته، والعقوبات أمور لازمة لذاته لا يُتصور انتفاؤها، فلا يكون تركها مقدورًا.
الرابع: قول جمهور المسلمين الذين يقولون: إنه كريم جواد عَدْل يخلق ما يشاء ويختار، وهو على كل شيء قدير، وأنه يفعل ما يفعل لحكمة، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وما يخلقه من الآلام والعقوبات يخلقه لحكمةٍ له في ذلك، لا تحصل تلك الحكمة بدون ذلك المخلوق، فهو على غاية الجود والكرم في إرادته، وغاية القوة والمُكْنة في قدرته، لكنَّ فِعْل الشيء يقتضي فعلَ لوازمه وترك ما ينافيه، فوجود أحد الضدّين يستلزم ترك الآخر، ووجود الملزوم يقتضي وجود اللازم.
وحينئذ فقول القائل:«ليس من الكرم عقوبة العُصَاة» باطلٌ على كل قولٍ، أما على قول الأولين؛ فكل ممكن كرم. وأما على قول الطائفة الثانية