للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال طائفة كأبي حامد (١) وغيره: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم؛ لأنه لو كان ممكنًا ولم يفعل لكان بخلًا يناقض الجود، أو عجزًا يناقض القُدرة. وأنكر ذلك آخرون ونسبوه في ذلك إلى الفلسفة، وقالوا: إذا كان أهل السنة ينكرون على القدرية الذين يقولون: إنَّ إصلاح العباد ليس ممكنًا، فكيف بهذا؟

وقال آخرون: فَصْل الخِطاب أنه إن أُرِيد بذلك أن الله لا يقدر على غير ما فعل، أو أن ذلك ممتنع لذاته= فهذا خطأ، وهو يُشبه قول الدهرية القائلين بالموجب بالذات.

وإن قيل: إنه على كل شيء قدير، ولو شاء لفعل غيرَ ما فعل، ولو شاء أن يؤتي كلَّ نفسٍ هداها لفعل، لكن فَعَل ما فَعَل لحكمة، والمشروط بغيره يمتنع وجوده بدون شرطه، فليس ممتنعًا لنفسه وإنما امتنع لغيره، ومن فَعَل مراده ولوازم مراده لم يكن يترك ما ينافي مراده عاجزًا، إذ الجمع بين النقيضين ممتنع لذاته، وإنما العاجز من إذا أراد شيئًا لم يمكنه فعله، والممتنع لذاته ليس شيئًا باتفاق العقلاء، فهذا قول أكثر المسلمين.

وأما مَن لا يقول بحكمةٍ ولا تعليل، ولا جودَ عنده ولا رحمةَ إلا وجود المراد= فهو لا يقول بهذا، إذ هو يقول: يجوز تخصيص أحد المُتَماثلَين دون الآخر لا لمخصِّص بل لمحض الإرادة، فلا يتصور عنده بخل. فهؤلاء يطعنون في كلام أبي حامد بناءً على هذا الأصل، وهذه الأمور مبسوطة في


(١) كما في «إحياء علوم الدين»: (٤/ ٢٧٥) وعبارته: « ... وليس في الإمكان أصلًا أحسن منه ولا أتم ولا أكمل، ولو كان وادَّخره مع القدرة ولم يتفضل بفعله لكان بخلًا يناقض الجود وظلمًا يناقض العدل، ولو لم يكن قادرًا لكان عجزًا يناقض الإلهية».