للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على رقبة كلِّ وليٍّ لله، أي: على كلِّ وليٍّ لله أن يتبع الأمر والنهي الإلهي النبوي الشرعي المحمدي، ويحكِّم على نفسه الكتاب والسنة، ولا يخرج عن ذلك [م ٤٦] لا لذوقٍ يخالفه أو وجدٍ أو حالٍ أو مشهد أو غير ذلك، بل يزن أذواقه ومواجيده وأحواله وحقائقه بالكتاب والسنة (١).

والذين نازعوا الجُنيد في هذا كأبي الحسين النوري (٢) وأمثاله من المتصوفة حصل لهم من الاضطراب ما أوجب أمورًا، مع أن النوري - رحمه الله - كان أصح من غيره وأعلى.

ولكن جاء قوم آخرون انحطُّوا عن هذه الدرجة (٣)، فصاروا يشهدون الحقيقة الكونية القدرية، ويرونها هي الغاية، وأنَّ صاحبها لا يحتاج إلى الحقيقة الإلهية النبوية الشرعية، بل يتصرَّف بما يَجده ويذوقه (٤)، والوجد والذوق إن لم يكن موافقًا للأمر كان من اتِّباع الهوى. ولهذا تجد كلَّ من يحتج بالحقيقة إنما هو متبع لهواه لا مطيع لمولاه، لا يحتج بعلم، إذ لو كان عنده علم لقال به، قال الله تعالى: {سَيَقُولُ (٥) الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا


(١) وعبارات بعضهم في ذلك مشهورة؛ كقول الداراني: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أيامًا، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. وقول الجنيد: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنة. وغيرهما انظر «رسالة القشيري»: (١/ ٦١ - ٧٩).
(٢) تقدمت ترجمته (ص ١٢٠).
(٣) وهذا هو النوع الثالث من أنواع الفناء، وهو الفناء عن وجود السِّوى.
(٤) تحتمل: «وبذوقه».
(٥) (م): «وقال».