للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروح مطابقًا لسرِّ الإنسان، كما صنع في النفس والعقل والروح، وهذا باطلٌ لم يقله أحد إلا بعض متأخري متفلسفة الصوفية، وهو من الخيالات التي لا منتهى لها، فإنَّ الوهم والخيال الباطل واسع، والسالك إن لم يعصمه الله بنور الإيمان والقرآن، وإلا وقع في بحر الوهم والخيال الباطل.

ولهذا كان هؤلاء يعظمون ما يعظم ابن عربي: الخيال، وهو عندهم أرض الحقيقة، ولهذا تتمثل لهم الجن والشياطين، ويقولون بالجمع بين النقيضين، وهو من باب الخيال الباطل، ويلقي إليهم الجن والشياطين كلامًا يسمعونه، وأنوارًا يرونها، فيظنون ذلك كرامات، وإنما هي أحوال شيطانية [م ٦٧] لا رحمانية، وهي من جنس السحر (١).

ويحكون في هذا: أن رجلًا نزل إلى دجلة ليغتسل لصلاة الجمعة، فخرج في النيل، وأقام بمصر عدّة سنين، وتزوج وولد له هناك، ثم نزل ليغتسل للجمعة، فخرج من دجلة، فرأى غلامه ودابته، والناس لم يُصلوا بعد تلك الجمعة!!

ومن المعلوم لكلّ ذي حسٍّ أن الشمس يوم الجمعة ببغداد ليس بينه وبين يوم الجمعة بمصر يومًا، فضلًا عن أسبوع، فضلًا عن شهر، فضلًا عن عام، فضلًا عن أعوام. ولا الشمس توقفت عِدَّة أعوام في السماء، وإنما هذا في الخيال، فيظنونه لجهلهم أنه في الخارج، كما ذكر ذلك سعيد الفرغاني (٢)


(١) انظر «مجموع الفتاوى»: (٢/ ٣١١ - ٣١٣).
(٢) هو: محمد بن أحمد، سعيد الدين الكاساني الفرغاني الصوفي شيخ خانكاه الطاحون. واشتهر بالشيخ سعيد، وكان من رؤوس الاتحادية (ت ٦٩٩). وقد شرح قصيدة ابن الفارض التائية في السلوك في مجلدتين، ترجمته في «تاريخ الإسلام»: (وفيات ٦٩٩، ص ٤٠٨)، و «أعيان العصر»: (٤/ ٢٣٥). وينظر «مجموع الفتاوى»: (٢/ ١١٥، ٢٩٤، ٣١٢).