للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالق غير مخلوق، فلا بدَّ من الموجود الذي ليس بمخلوق.

وكذلك الموجود إما غنيّ وإما فقير، والفقير لا يوجد إلا بالغني، فلابدَّ من الغَنِيّ على كل حال وتقدير.

وهذا لأن تقدير مخلوقات أو مُحْدَثات أو فُقراء أو ممكنات ليس فيها خالق قديم غنيّ واجب بنفسه= أفسد من تقدير مُحْدَث بلا مُحْدِث، ومخلوق بلا خالق، وفقير بلا غني، وممكن موجود بغيره بلا واجب موجود بنفسه. فإنه كلما كَثُرت المحدَثات والممكنات والمخلوقات كان افتقارها إلى المحْدِث الواجب الخالق أعظم من افتقار الواحد، فإذا لم يكن فيها موجود بنفسه لم يكن فيها موجود، فتكون كلها معدومات، وكثرة المعدومات التي ليس موجود فيها بنفسه يوجب كثرة حاجتها إلى الموجِد (١).

[م ٨٧] وهذا مع أنه من الضروريات المتفق عليها بين العقلاء فهو مبسوط في غير هذا الموضع (٢).

ولهذا اتفق العقلاء على امتناع التسلسل والدور في المؤثِّر، سواء سُمِّي فاعلًا أو خالقًا أو موجبًا أو علة أو غير ذلك. ولكن تنازعوا في التسلسل في الآثار كما بسطناه في موضعه (٣).

والدور نوعان: فالدَّور القَبْلي كالدور في المؤثِّرات والعلل والفاعل،


(١) ينظر «درء التعارض»: (٣/ ٢٠٦ - ٢٠٨ و ٢٦٤ - ٢٦٥).
(٢) انظر «الرد على المنطقيين»، و «الصفدية» كلاهما للمصنف.
(٣) انظر «الفتاوى»: (٨/ ١٥٢)، و «درء التعارض»: (١/ ٣٢١).