وأما الدور المعيّ الاقتراني: وهو أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا، فهذا ليس ممتنعًا لذاته، بل ممكن في الجملة، كمَعْلولي العلة كالأبوَّة مع البُنوَّة، وكذلك إذا كانا غنيين عن الفاعل، كصفات الرب الأزلية مع ذاته المقدسة، فإنه لا يوجد شيء من ذلك إلا مع الآخر، وهو سبحانه بصفاته الأزلية غني عن الفاعل والمؤثِّر، وهذا كله مبسوط في موضعه (١).
والمقصود أن كون المخلوقات آيات للرب تبارك وتعالى ودلائل وشواهد ومظاهر، بمعنى أنها تدلُّ وتعرِّف وتشهد بما شهد به القرآن، واتفق عليه أهل الإيمان، وعُلِمَ ثبوته بالبُرهان.
بل آياته المخلوقة دلت على صِدْق آياته المتلوَّة، كما قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٣] حتى يتبين لهم أن القرآن حَقٌّ، فالضمير عائد على ما تقدم وهو الذي قيل فيه: إن كان من عند الله ثم كفرتم به، ولهذا قال:{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٣] أي: شهادته بما أنزله من القرآن كافية، وهو مع هذا أظهر للعيان في الأنفس والآفاق ما بَيَّن أن القرآن حق، فيتفق السماع والعيان، وبرهان القرآن والغيب، وبُرهان الحق والشهادة، ويتفق علمه وعلم الله الذي أنزله على الرسول، وعالمه الذي تستدل به العقول، ويتصادق العقل والشرع والرأي والسمع.
(١) انظر «الرد على المنطقيين» (ص ٢٥٧)، و «الصفدية»: (١/ ١٢)، و «بغية المرتاد» (ص ٤٢٨) وغيرها.