للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنه على هذا التقدير قد يشهد هذا في نفسه، فيكون من أهل الوحدة والحلول المعين الخاصّ كالنصارى، لكن هذا شرٌّ من النصارى، فإنَّ النصارى ادَّعوا ذلك في المسيح، وهؤلاء يجعلونه فيمن لا يُعلم إيمانه. وقد (١) يشهد ذلك في الوجود مطلقًا، فيكون من أهل الوحدة والاتحاد العام المطلق، فيقول في جميع المخلوقات شرًّا مما قالته النصارى في المسيح، فإن أولئك يقولون: كانا اثنين فاتحد أحدهما بالآخر. وهؤلاء ما عندهم تعدد، بل ما زال وجود ما يقال إنه المخلوقات عين وجود الخالق.

وكذلك قوله: «فانطمست جميع العلل، وزال كل حادث، فلا حادث ولا وجود، بل ليس إلا العدم الذي لا علة له، وما لا علة له فلا معرفة تتعلق به، اضمحلَّت المعلومات، وزالت المرسومات زوالًا لا علة فيه» (٢).

فإن هذا الكلام مبالغة في الوحدة، فإن الزوال والعدم المحض المعلول ليس عدمًا محضًا وزوالًا صِرفًا، فإذا حصل العدم المحض، والزوال الصِّرف، لم يكن هناك حادث ولا موجود، بل ليس إلا وحدة الوجود.

ولهذا قال: «وبقي من أُشير إليه لا وصف له، ولا صفة، ولا ذات» (٣). فهذا مطابق لمذهب أهل الوحدة، فإنهم يقولون: الرب له تجلٍّ باعتبار ذاته، وتجلٍّ باعتبار أسمائه [م ٧٣] وصفاته.

فتجلِّي الذات: وجودٌ محضٌ مطلق، ليس فيه اسم ولا صفة، ولا يُرى ولا يُشهد، ولا يتميز فيه شيء عن شيء. ولا ريب أن الوجود المطلق الذي


(١) رسمها في (م): «وهو» ولعله ما أثبت.
(٢) سبق النص (ص ١٦٣).
(٣) سبق النص (ص ١٦٣).