للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتصوره الإنسان في نفسه هو بهذا الاعتبار، فإن الوجود المطلق بشرط الإطلاق لا يقال فيه: ربٌّ ولا عبد، ولا قديمٌ ولا مُحْدَث، ولا خالق ولا مخلوق، ولا حي ولا عليم ولا قدير، ولا غير ذلك. فإنّ كل هذه الأمور فيها تخصيص وتقييد بموجود دون موجود. فالرب يُخرِج العبدَ، والقديم يُخرج المحدَث، والخالق يخرج المخلوق، والحي العليم القدير يخرج الميت الجاهل العاجز.

وأما التجلِّي الأسمائي عندهم فهو: ظهوره في الممكنات بحسب استعدادها، فيظهر في الكلب بصورة الكلب، وفي الإنسان بصورة الإنسان، وفي الفلك بصورة الفلك، ونحو ذلك.

وقد حكى بعض أصحابنا أنه وقع بين ابن عربي وبين الشيخ أبي حفص السَّهْرَوردي صاحب «عوارف المعارف»: في الحق إذا تجلَّى للعبد، هل يمكنه أن يسمع خطابه حين التجلِّي؟ فقال ابن عربي: لا يمكن ذلك، وقال السَّهْروردي: بل يمكن ذلك. قال ابن عربي: مسكينٌ هذا السَّهروردي، نحن نقول له عن تجلِّي الذات وهو يخبر عن تجلِّي الصفات (١).

فلمَّا عرفتُ هذا مِن هؤلاء قلتُ لأصحابنا: صدق على أصله الفاسد، فإن الذات عنده وجود مطلق لا كلام لها، فكيف يكون في حال تجليها سماع خطاب؟ ! لكن هذه الذات التي يعنيها إنما توجد في الأذهان لا في الأعيان.

وأما السَّهْروردي فقوله قول المسلمين (٢): إن الله يتجلَّى لعباده يوم


(١) ذكر المصنف هذه الحكاية في مواضع. انظر «الفتاوى»: (٧/ ٥٩٠ - ٥٩٤)، (١٠/ ٣٣٩).
(٢) قال المصنف عن السهروردي بعد ذكر هذه الحكاية في «مجموع الفتاوى»: (٧/ ٥٩٤): «أما أبو حفص السهروردي فكان أعلم بالسنة وأتبع للسنة من هذا ــ يعني ابن عربي ــ وخيرًا منه، وقد رأى أن ما جاءت به الأحاديث من أن الله يتجلى لعباده ويخاطبهم حين تجليه لهم فآمن بذلك، لكنَّ ابن عربي في فلسفته أمهر من هذا في سنته؛ ولهذا كان أتباعهما يعظمون ابن عربي عليه مع إقرارهم بأن السهروردي أتبع للسنة» اهـ. وانظر «جامع المسائل»: (٤/ ٣٩٥).