للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العالم ومدبره عز وجل.

قال: وهذا مكانٌ يُلزم العالمَ (١) الناصح لنفسه أن لا يجعل كدَّه ولا سعيه (٢) ولا اجتهاده إلا في الوقوف على حقيقته، وإلا فهو موبقٌ لنفسه، وأن لا يشتغل عن ذلك بعلمٍ يقلّ نفعه. ومن فَعَل ذلك فهو ضعيف العقل، فاسد التمييز، سيئ الاختيار، مستحقُّ الذم، جانٍ على نفسه أعظم الجنايات» (٣).

قلت: وضلالهم نشأ من جهتين: من جهة كونهم لا يعقلون ولا يسمعون، كما قال تعالى في أهل النار: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ٨ - ١٠].

فإنَّ ما دخلوا فيه من العقليات في الإلهيات فيه ضلالٌ عظيم مخالف لصريح العقل.

وأما السمعيات فقد عُلِمَ إعراضهم عنها مع جهلهم، وهم يدَّعون النجاة. والسعادةُ بعد الموت تُحَصَّل بما عندهم من العلوم والأعمال؛ من الأخلاق وسياسة المنزل والبدن (٤) [م ٩٤] وهذا باطل قطعًا، فإنه قد ثبت باليقين الذي لا يحتمل النقض: أن مَن لم يؤمن بالرسول فلا نجاة له ولا


(١) «التوقيف»: «العاقل».
(٢) ليست في «التوقيف».
(٣) كلام ابن حزم من رسالة «التوقيف على شارع النجاة باختصار الطريق - ضمن رسائل ابن حزم»: (٣/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٤) هكذا استظهرتها بدليل ما سيأتي في الصفحة الآتية، وأثبتت في ط دار الصحابة: «الملذات»!