للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده حتى نفى [م ٩٣] الصفات، وأراد أن يجمع بين ذلك وبين ما جاءت به الرسل، فقال ما لا حقيقة له ولا يعقل، وأثبت ألفاظًا لا معنى لها، وقال: وقف العلم عند معرفة الصفات، وكان هذا من تَحَمْيرهم وتَحَمْير الجهمية فيه= اعترف مع ذلك بأنه ليس عندهم علم بما يُنجي ويُسْعِد بعد الموت، فقال بعد تعديد علومهم؛ من المنطق والطبيعي والرياضي، وذِكر ما جاءت به النبوة: قال: «والوجه الثالث من منفعة ... (١) ما جاءت به النبوة هو التقديم بنجاة النفوس (٢) بعد خروجها من هذه الدار من الهَلَكة التي ليس معها ولا بعدها شيء من الخير، ولا بأقل ولا بأكثر (٣)، فلا سبيلَ إلى معرفة حقيقة مراد الخالق عز وجل منا (٤)، ولا إلى معرفة طريق خلاصنا إلا بالنبوة.

وأما بالعلوم الفلسفية التي قدمنا فلا أصلًا، ومن ادَّعى ذلك فقد ادَّعى الكذب؛ لأنه يقول بذلك بلا برهان البتة، وما كان هكذا فهو باطل، ولا يعجز أحد عن الدعوى، وليست دعوى أحد أولى من دعوى غيره بلا برهان.

ثم البرهان قائم على بطلان هذه الدعوى؛ لأن الفلاسفة الذين يستند إليهم هذا المدَّعي مختلفون في أديانهم كاختلاف غيرهم سواء سواء، فوجب طلب الحقيقة من ذلك عند من قام البرهانُ (٥) على أنه إنما يخبر عن خالق


(١) في (م) كلمة رسمها: «شبامع»! ولم أتبين معناها، والنص بدونها مستقيم وموافق لما في رسالة ابن حزم «التوقيف على شارع النجاة - رسائل ابن حزم»: (٣/ ١٣٤).
(٢) في «التوقيف»: «لنجاة النفس».
(٣) في «التوقيف»: «لا ما قل ولا ما كثر».
(٤) في «التوقيف»: «منها».
(٥) (م): «بالبرهان».