للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (١)، والمقصود هنا التنبيه عليها، فإن كثيرًا من الخائضين في هذه المواضع تجدهم متقابلين، هؤلاء يثبتون حقًّا وباطلًا، وهؤلاء يثبتون حقًّا وباطلًا، وخيار الأمور أوساطها، وهي طريقة سلف الأمة وأئمتها رضي الله عنهم أجمعين.

فإن قال هذا المدَّعي: أنا أريد بالإحسان إليه: فِعْل ما يرضاه من الطاعة، وبالإساءة إليه: فعل ما يُسْخِطه من المعاصي.

قيل له: وإن أراد هذا فهو مخطئ أيضًا من وجوه:

أحدها: أن إطلاق القول بأن الطاعة إحسان إلى الله، وأن المعصية إساءة إلى الله= بدعة، فإن التعبير بهذا اللفظ عن هذا المعنى بدعة، والألفاظ التي يُعَبَّر بها عن صفات الله يُتَحَرَّى بها الاتباع دون الابتداع، لا سيما في مقام المناجاة والدعاء.

والمفهوم من هذا اللفظ أن العبد يُحسن إلى الله بالطاعة، وهذا باطل، فإنه إنما يحسن إلى نفسه، والله هو المنعم عليه بذلك، والله سبحانه غنيٌّ عن غيره من كل وجه، ولو لم يكن رضاه متضمِّنًا لِنَفْع الفاعل، فكيف إذا كان رضاه للعباد بالشكر يتضمن النفعَ لهم بذلك.

وكذلك المعصية وإن كان يبغضها ويكرهها ويمقت فاعلها، فإنه لا يقال: هي إساءة إلى الله. أما على مذهب أهل السنة المثبتين للقَدَر، فإنه هو الذي خلقها لحكمة في ذلك على قول من يثبت الحكمة، أو لمحضِ المشيئة على قول من لا يُعَلِّل أفعاله وأحكامه.


(١) انظر «الفتاوى»: (٦/ ١١٦) (٨/ ٨٢ وما بعدها، ١٥٩ وما بعدها، ٢٣٥ وما بعدها).