للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى كلِّ تقدير لا نجعل الغافل والعاصي أفضل من الذاكر المطيع لا في الحال ولا في الابتداء، اللهم إلا إذا مُكِرَ بالذاكر المطيع فانتقل غافلًا عاصيًا، وانتقل الآخر ذاكرًا مطيعًا، فهذا ممكن، لكن لا يجوز لأحدٍ أن يدعو الله بأن ينقله من حال الذِّكْر والطاعة إلى حال الغفلة والمعصية.

ومن هذا الجنس قوله: (واجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت، فالإحسان لا ينفع مع البغض منك، والإساءة لا تضرُّ مع الحبِّ منك) (١).

فإن القادح يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ} [البقرة: ١٩٥]، فهو لا يبغض الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهو يبغض الكفار فلا يحبهم، فحبُّه سبحانه مستلزم للحسنات، وبغضه مستلزم للسيئات.

فقوله: «الإحسان لا ينفع مع البغض» ليس بسديد، بل الإحسان الذي يستحقّ أن يسمَّى إحسانًا ــ وهو فعل الواجب والمستحبّ كما أمر ظاهرًا أو باطنًا ــ لا يكون إلا مع حبه لا مع بغضه.

ومن كان باطنه خلاف ظاهره وقال: إن عمله رياء أو إعجاب أو نفاق أو ريب وعدم إيمان، فهذا ليس عمله إحسانًا. وكذلك من ارتدَّ عن الإسلام فردَّتُه أحبطَتْ عملَه فما بقي محسنًا. وكذلك السيئات لا يُحِبها الله، والمسيء لا يحبُّ الله إساءَتَه، وإذا كان فيه إيمان وفجور فالله يحب إيمانه لا فجوره على مذهب أهل السنة والجماعة الذين لا يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار، ولا يقولون بأن المعاصي تُحْبِط الإيمانَ كلَّه، بل يقولون: «يُخرَجُ من النَّار مَن


(١) «حزب البر»: (ق ٤ أ).