الثاني: أن يختصَّ بالخالق، فيقال: وجوده وذاته وعلمه وقدرته، أو يقال: إن الله عليم حكيم، ونحو ذلك، فهذا مختصٌّ بالرب تعالى لا يَشْركه فيه المخلوق بوجهٍ من الوجوه. وبهذا يتبين امتناع التشبيه فيما وَصَفَ اللهُ به نفسَه، فإنه لم يذكر من ذلك شيئًا إلا مضافًا إلى نفسه بما يوجب اختصاصه، ويمنع مشاركة غيره له فيه كقوله:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ}[البقرة: ٢٥٥]، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ}[الذاريات: ٥٨]، وقوله:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥] ونحو ذلك، فأضافَ العلمَ والقوة واليد إلى الله إضافةً توجب اختصاصه بذلك، وتمنع مشاركة غيره له فيه بوجه من الوجوه، فإذا كان الموصوف لا يماثل الموصوفات وجب أن تكون صفته لا تماثل الصفات، ودل على ذلك نفس اختصاصه بجهة الإضافة.
ومَن قال حينئذ: إن العلم والقوة واليد لا يفهم منه إلا ما يقوم بالمخلوقين= كان جاهلًا أو متجاهلًا، فإن ذلك إنما يكون عند الإضافة إلى المخلوق، فأما عند الإضافة الموجبة لتخصيص الخالق فهذا كلام باطل.
الاعتبار الثالث: أن يقال: اللفظ إذا كان مطلقًا عامًّا لا يختصُّ بخالق ولا مخلوق، كما يقول: موجودٌ وذاتٌ وقدرةٌ ويدٌ، ونحو ذلك، فهذا المطلق لا يختص بالخالق ولا بالمخلوق، بل اللفظ يتناول الاثنين، لكن هذا المشترك لا وجود له في الخارج عقلًا، ولا لَفْظه موجودٌ في الكلام سمعًا، بل موجود مطلق يتناولهما جميعًا، لا يختص بخالق ولا مخلوق، ولا يوجد في الخارج، ولا هو موجود في كلام الله ورسوله، وإنما [م ١٠٥] يجرّد (١) لفظًا ومعنى، إذا