للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكنَّ المؤمن لا يطلب مجرَّد ذلك، فإنَّ نعيم الدنيا مع عذاب الآخرة لا يطلبه مسلم، ولهذا تنازع أهل السنة المثبتون للقدر في الكافر، هل عليه نعمة دنيوية؟ على قولين معروفين لهم؛ قيل: النعيم الذي يعقبه عذاب ليس بنعمة، وقيل: بل هو نعمة.

وفصل الخطاب: أنه نعمة مقيدة، وليس نعمةً مطلقةً تامةً، ولهذا لم يدخل في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٦ - ٧].

وإن أراد أنك تبذل في الدنيا والآخرة لمن عصاك ما تبذله لأهل الطاعة، وأنك تسوِّي بين هؤلاء وهؤلاء، فهذا مما أنكره الله على من ظنَّه، كما قال تعالى: {(٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ} [القلم: ٣٥]. والآيات في عدم التسوية كثيرة، وقد تقدم منها جملة مما فيه حُسْن حال أوليائه وقُبْح حال أعدائه (١). فمن ظنَّ أنَّ مشيئةَ الله قد تقتضي التسوية بين هؤلاء وهؤلاء فهو مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع الأمة.

ولا ريبَ أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، لكن من الأمور أمور يُعلم أنه لا يشاؤها، فما سبق في علمه أنه يفعله، وسَبَقت كلمتُه أنه يفعله، وأخبر أنه يفعله، وكتب في اللوح المحفوظ أنه يفعله= فإنه لابد أن يفعله، وهو لا يشاء نقيضه، وهذا متفق عليه بين المسلمين.

ثم جمهور المسلمين يقولون: حكمته وعدله مستلزم أنه يشاء ذلك ولا


(١) تقدم (ص ١١٣ - ١١٤، ١١٦، ١٢٤).