الوجود واحد؛ كابن عَرَبي وابن سَبْعين وابن الفارض والقُوْنَوي والتِّلِمْساني وأمثالهم ممن يجعل الوجود الخالق هو الوجود المخلوق، وربما جعلوه حالًّا فيه، ومذهبهم دائر بين الاتحاد والحلول. ولكن قد لا يرضون لفظ الاتحاد، بل يقولون: الوحدة؛ لأن الاتحاد يكون بين شيئين، وهم يقولون: الوجود واحد لا تعدد فيه، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع. فإنَّ الموجودات مشتركة في مسمى الوجود، كما أن الذوات مشتركة في مسمى الذات، ولكن ليس وجود هذا وجود هذا، كما أنه ليس ذات هذا هي ذات هذا، والقدر المشترك هو كُليٌّ مطلق، والكُلِّي المطلق لا يوجد كليًّا مطلقًا إلا في الأذهان لا في الأعيان، بل كلُّ موجود من المخلوقات له ما يختصّ به، لا يشاركه فيه غيره في الخارج، فهذا الإنسان المعيَّن لا يُشاركه هذا الإنسان المعيَّن فيما يختصُّ به من إنسانيته الخاصَّة، وحيوانيته الخاصة، ووجوده الخاص، ولكن هو وغيره يشتركان في مطلق الحيوانية والإنسانية والوجود، ونحو ذلك.
وهذه المشتركات لا تختص واحدًا منها، ولا توجد في الخارج مشتركة مطلقة، بل لا توجد إلا معينة مختصة، وقد بُسِط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع (١).
فإنه بسبب الاشتباه في هذه الكليات المطلقة ضلَّ طوائف من أهل العلوم النظريات والذوقيات، وإذا كان وجود المخلوق المختص به لا يَشْرَكه فيه غيره وإن كان يشابهه فيه غيره، فالخالق تعالى أبعد عن أن يشاركه غيره فيما يختصُّ به سبحانه وتعالى.
(١) انظر «الصفدية»: (٢/ ٢٧٦ وما بعدها)، و «الفتاوى»: (٧/ ٤٠٦)، (٤/ ٥٩).