للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حول ولا قوة إلا بالله فـ {(١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (١) وَمَنْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧].

لكن قال: «فهو منه إليه» فقوله: «منه إليه» من جنس قول أهل الوحدة: بل هو من العبد المخلوق المُحْدَث إلى الرب الخالق القديم.

ولما كان كثير من السالكين يقعون في الحلول والاتحاد، وكَثُر ذلك في طريق مُتأخِّري الصوفية= [أجاب] (٢) الجُنَيد ــ قدَّسَ الله روحَه لمّا سُئل عن التوحيد ــ فقال: التوحيدُ إفرادُ الحُدوث عن القِدَم (٣). فرضي الله عن الجُنيد فإنه كان إمام هُدًى. وتكلَّم على المرض الذي يُبتلى به كثيرٌ من هؤلاء.

وقد أنكر ابن عربي على الجنيد وعلى غيره من الشيوخ، مثل سهل بن عبد الله التُّسْتَري وأمثاله في كتابه الذي سماه بـ «التجليات» (٤)، وادَّعى أن هؤلاء ماتوا وما عرفوا التوحيد، وأنه عَرَّفَهم إياه في هذا التجلِّي الذي له، وهو تجلٍّ خياليٌّ شيطانيٌّ من نفسه إلى نفسه في نفسه (٥).


(١) كذا في (م) بإثبات الياء، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وغيرهما، انظر «المبسوط» (ص ٢٤١) لابن مهران.
(٢) غير ظاهرة في (م)، ولعلها ما أثبت.
(٣) نسَبَه له القُشيريُّ في «رسالته»: (١/ ١٩) قال: «التوحيد إفراد القدم من الحدث». وللمصنف رسالة في معنى هذه الكلمة، ذكرها ابن رُشيّق «الجامع» (ص ٣٠٤).
(٤) كتاب «التجلِّيات» له مخطوطات كثيرة جدًا، وطبع في الهند سنة ١٩٤٨ م، وله عدة شروح، انظر «مؤلفات ابن عربي» (ص ٢٣٠ - ٢٣٣) لعثمان يحيى.
(٥) انظر ما سيأتي (ص ١٧٨)، وقد قال المصنف في «الصفدية»: (١/ ٢٦٥) عن ابن عربي إنه: «يطعن في قول الجنيد لما سُئِل عن التوحيد فقال: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم. ويقول: لا يميز بين المحدث والقديم إلا مَن كان ليس واحدًا منهما. ذكر هذا وأشباهه في كتابه «التجليات»، وله كتاب «الإسراء» الذي سماه «الإسرا إلى المقام الأسرى»، وجعل له إسراء كإسراء النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحاصل إسرائه ... من نوع الكشف العلمي ... وهو كله في نفسه وخيالِه، منه المتكلم ومنه المجيب. وباب الخيال باب لا يحيط به إلا الله، وابن عربي يدعي أن الخيال هو عالم الحقيقة ويعظمه تعظيمًا بليغًا، فجعل في خياله يتكلم على المشايخ وتوحيدهم بكلام يقدح في توحيدهم، ويدَّعي أنه علّمَهم التوحيد في ذلك الإسراء. وهذا كله من جنس قرآن مسليمة بل شر منه، وهو كلام مخلوق اختلقه في نفسه» اهـ بتصرف. وانظر «مؤلفات ابن عربي» (ص ١٧٨).