من علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة»! ! وأخبره بما سيحدث له وأنه سوف يؤذى، وسيتكلم عليه الناس.
فتركه وتوجه إلى الديار الشرقية فمر في طريقه على تونس وأقام بها مدة في (شاذلة) حيث نُسب إليها.
ثم اتخذ رباطًا في جبل (زغوان)، وأخذ ينشر دعوته في بلدة (شاذلة) القريبة من رباطه، فسعى به أبو القاسم بن البراء قاضي الجماعة بتونس إلى السلطان أبي زكريا الحفصي فنفاه عن تونس، فانتقل إلى الإسكندرية.
ولما قدم الإسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي ــ من أقطاب الصوفية ــ فوقف بظاهرها واستأذنه؟ فقال: طاقية لا تسع رأسين. فمات أبو الفتح في تلك الليلة!
ولما شاع أمره وذاع صيته في بلاد المغرب وأصبح معروفًا وتصدّر للإرشاد؛ كثر خصومه ورموه بالعظائم وبالغوا في أذيته، حتى منعوا الناس من مجالسته وقالوا: إنه زنديق. ولما أراد السفر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات: إنه سيقدم عليكم في مصر مغربي من الزنادقة أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين، وإياكم أن يخدعكم بحلاوة منطقه، فإنه من كبار الملحدين، ومعه استخدامات من الجن، فما وصل إلى مدينة الإسكندرية حتى وجد الخبر بذلك سابقًا على مقدمه، فبالغ أهل الإسكندرية في إيذائه، ثم رفعوا أمره إلى سلطان مصر وأخرجوا له مراسيم فيها ما يباح به دمه، فمد يده إلى سلطان المغرب وأتى منه بمراسيم تناقض ذلك فيها من التعظيم والتبجيل ما لا يوصَف! فتحيّر السلطان وقال: العمل بهذا أولى، وأكرمه ورده إلى الإسكندرية مكرمًا.