للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هؤلاء مَن يقول: نحن لا نقول بحلول القديم في المحْدَث، بل بظهوره فيه. ولكن إذا صَرَّح بأن الصوت المسموع من العبد قديم أزليّ، كان قوله بعد هذا بأنه ظهر فيه ولم يحل فيه= جمعًا (١) بين سفسطتين: دعوى قِدَم ما يُعلم حدوثه، وبين دعوى أن صوت العبد ليس هو حالًّا فيه.

وكثير من هؤلاء لا يفهم معنى القديم، بل إذا استفسرته عنه قال: يريد به أنه غير مخلوق، ويقولون: يريد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا ريب أن كلام الله غير مخلوق كما اتفق عليه السلف والأئمة، ولا ريب أن القرآنَ كلَّه كلامُ الله ليس شيء منه كلامًا لغيره، لا جبريل ولا غيره، والقرآن العربي كلام الله، والله نادى موسى بصوت، وينادي عبادَه يوم القيامة كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، لكن هؤلاء ظنوا أن السلف أرادوا بذلك أن ما ليس بمخلوق يكون قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقُدرته، ولم يفرقوا بين قديم النوع وقديم العين.

وقد بسطنا الكلامَ على ذلك في غير هذا الموضع (٢)، وبينَّا جميعَ أقوال أهل الأرض في القرآن وكلام الله؛ قول الفيضية والخلقية والحدوثية والاتحادية والاقترانية والسلفية، والمقصود هنا التنبيه على مسمى الحلول والاتحاد، وأنه ينقسم إلى مطلق ومُعَيّن.

فالحلول والاتحاد المطلق، كقول الجهمية الذين يقولون: إنه بذاته في كل مكان، ومن يناسبهم من الاتحادية وأهل الوحدة.


(١) (م): «جمع».
(٢) انظر المجلد الثاني عشر من «مجموع الفتاوى».