للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الطبري في تفسيره فقد استفاد من شرح أبي عبيدة للشواهد، وتعقبه في شرح بعضها، وزاد عليه شواهد لم يذكرها أبو عبيدة، وهو في منهجه في شرح الشاهد الشعري لا يختلف عن أبي عبيدة كثيرًا، وإن كان قد يستطرد في شرح بعض الشواهد.

ومن أمثلة شرح الطبري للشواهد قوله عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)} [البقرة: ٥٦] (١): «وأصلُ البَعْثِ: إِثَارةُ الشيء من مَحلّهِ، ومنه قيل: بَعَثَ فلانٌ راحلته، إذا أثارها من مَبْرَكِهَا للسَّيرِ. كما قال الشاعر:

فَأَبْعَثُها وهِيَّ صَنيعُ حَولٍ ... كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبةً وَقَاحا (٢)

والرَّعْنُ: منقطع أنف الجبل، والذِّعْلِبَةُ: الخفيفةُ، والوقاح: الشديدةُ الحافر أو الخُفِّ». (٣)

فيُلحظ هنا أن الطبري شرح معنى البعث في الآية قبل إيراده للشاهد الشعري، ثم بعد إيراده للشاهد الذي اشتمل على مفردات غريبةٍ لِقلةِ من يستعمل هذه الألفاظ في زمنه شرح بعباراتٍ موجزةٍ معنى هذه المفردات، فشرح معنى «الرَّعْن» و «الذِّعْلِبَة» و «الوقاح»، وهذه المفردات وإن لم تكن محل الشاهد إلا أن معناه لا يفهم بدون بيانها، فشرحها الطبري من أجل ذلك.

ومما يتميز به شرح الطبري لمفردات الشاهد الشعري، أنه يشير إلى تفسير أهل اللغة، وتفسير السلف من أهل التفسير، ويقدم تفسير السلف للفظة على تفسير اللغويين، ومن أمثلة ذلك قوله: «والشُّحُّ في كلام العرب: البُخلُ، ومنعُ الفضل من المال، ومنه قول عمرو بن كلثوم:


(١) البقرة ٥٦.
(٢) لم أجده عند غير الطبري، ولم أهتد إلى قائله، وقوله: «وهيَّ». بتشديد الياء لغة همدان.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٨٤.

<<  <   >  >>