ومما يدل على أن الشواهد لم تكن مجهولة النسبة في زمنهم، اهتداء المحققين لأكثر الشواهد المجهولة القائل في كتب التفسير، وهم قد رجعوا فيها لكتب المتقدمين ممن عاصر أولئك المفسرين أو سبقهم.
والمفسرون لم يكونوا بِدْعًا في هذا، فقد ألَّفَ سيبويه كتابَهُ في النحو، فأغفل أغلبَ شواهدِهِ ولم ينسبْ منها إلا القليل كما هو مشهور عند النحويين. (١) وفعل مثل ذلك الفراء في معاني القرآن، وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن كتب المعاني.
٢ - تبين من الإحصاء أن نسبة الشواهد المنسوبة في كتب التفسير تقارب الشواهد التي أغفلت نسبتها في كتب التفسير عدا تفسير الزمخشري الذي غلب إغفال نسبة الشواهد على منهجه، مما جعل بعض العلماء يتصدى لنسبة شواهد تفسيره وشرحها.
٣ - أن نسبة هذه الشواهد ليست كلها من جهد المفسرين، بل اعتمدوا في ذلك على علماء الرواية واللغة كأبي عبيدة والفراء والأصمعي وأبي تمام وغيرهم مِمَّن دونوا أشعار العرب، ونقلوها لمن بعدهم، ويندر أن تجد شاهدًا غير منسوب عند أهل اللغة والشعر، ثم تجد نسبته في كتب التفسير، لأنَّ المصادر التي استقى منها الجميعُ مادةَ الشعرِ واحدةٌ، وهم العلماء المتقدمون الذين جمعوا بين حفظ الشعر ورواية اللغة وتفسير القرآن.
وأبرز المفسرين الذين شاركوا مشاركةً جيدةً في نسبة الشواهد الشعرية هو الإمام الطبري لتقدمهِ وسعةِ معرفته بشعر العرب، ثم جاء مَنْ بعده من المفسرين فاستفاد مما أورده من شواهد الشعر منسوبة إلى الشعراء الذين قالوها، أو إلى الطبري نفسه، وكثيرًا ما يردد ابن عطية والقرطبي عبارة «وأنشد الطبري» عند نقلهم للشواهد من تفسيره فهو عمدة
(١) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه لجمعة ١١٥ - ١٧٠