للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: أن يكون بعيدًا عن الفهم، لغموض معناه، فلا يتناوله الفهم إلا عن بُعْدٍ ومُعاناة فِكْرٍ، فيكون شبيهًا بالإلغاز.

والآخرُ: قلةُ الاستعمال، فيكونُ خاصًا بِمَن بَعُدت دارُه من قبائل العرب، ونأى به المَحلُّ منهم، فإذا وقعت الكلمة من كلامهم لغيرهم من العرب في الحواضر استُغرِبت، وإنما هي كلام القوم وبيانهم. (١) ولذلك فاختلاف اللهجات سبب من أسباب الغرابة، وكذلك التغير الدلالي للفظة، وغير ذلك من الأسباب التي يمكن استخراجها بتتبع كتب الغريب، ومعرفة السمات المشتركة بين ألفاظ الغريب. (٢)

والغموض في ألفاظ القرآن يزداد بمرور الوقت، فالغريب في وقت نزول الوحي كان قليلًا جدًا، حتى إنه لم يُحفظ من أسئلة الصحابة عن معاني ألفاظ القرآن إلا القليل، ثم لم تزل الحاجة إلى معرفة ألفاظ القرآن تزداد شيئًا فشيئًا، فكانت المصنفات الأولى صغيرة الحجم، وجيزة العبارة، ثم توسعت حتى أطالت الشرح والبيان في الكتب المتأخرة منها كالمفردات للأصبهاني، وعمدة الحفاظ للحلبي، مِمّا يعني أنَّ الزمنَ له تأثيرٌ في الحكم بغرابة الألفاظ، وشيوعها.

والتنبه للزمنِ والمكانِ في تعريف غريب القرآن يُفسرُ قلةَ المُفرداتِ التي رُويت عن مفسري السلف كابن عباس (ت ٦٨) وعكرمة (ت ١٠٥) ثم زيادتها عند زيد بن علي (ت ١٢٠) في كتابه المنسوب إليه، ثم زيادتها عند أبي عبيدة (ت ٢١٠) وابن قتيبة (ت ٢٧٦) وغيرهم، واستمرت في الزيادة حتى شَملت جُلَّ ألفاظ القرآن عند الأصفهاني، بل إن السمين الحلبيَّ أَخَذَ على الراغب الأصفهاني إغفاله بعض المفردات التي وردت في القرآن الكريم، مما يعني أنه كان عليه الاستقصاء.


(١) انظر: غريب الحديث للخطابي ١/ ١٣، الصاحبي ٦٩ - ٧٠.
(٢) انظر: دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج ١/ ٧٠ - ٨٩.

<<  <   >  >>