للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومراعاةُ الزمنِ والمكانِ يُشكِّكُ فيما نَسبهُ الفيروزأبادي لابن عباس في كتابه «تنوير المقباس»، من تفسير ألفاظ لم تكن غريبةً في زمن ابن عباس وبيئته التي عاشها. مع ملاحظة ثبات المعنى للفظة الغريبة، فالعبرة بمعناها الذي دلت عليه وقت نزول الوحي لا بعده، وقد ذكر أحد الباحثين أنَّ اللفظة الغريبة «يَختلفُ مدلولهُا مِنْ جيلٍ إلى جيلٍ، ومن بيئة إلى بيئة» (١)، ورُبَّما صح لَهُ ذلك في غير ألفاظ القرآن كما ينبغي أن تفهم وتُفسَّر (٢)،

أما ألفاظ القرآن فلا تفهم إلا على معناها وقت نزوله، ولا تحمل على المعاني الحادثة بعد ذلك، وهذا هو سبب وقوف العلماء في قبولهم للشواهد اللغوية من الشعر وغيره على عصر متقدم دون الاستمرار في الاستشهاد بكلام المتأخرين عنه من العرب، حرصًا منهم على الاستشهاد بمن سلمت لغته وسليقته حفظًا لمعاني لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وهذا يفسر تشدد أبي عمرو بن العلاء والأصمعي في الاحتجاج بأشعار شعراء الإسلام كجرير والكميت ونحوهم كما تقدم، وإن كان العلماء خالفوهم في ذلك، واستشهدوا


(١) انظر: علم الفصاحة العربية للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي ٨٩، ٢٣٠.
(٢) قام بعض المتأخرين بتفسير ألفاظ القرآن على معاني حادثة لم تعرفها العرب من قبل، فحرفوا معاني القرآن عن وجهها، وأدخلوا على الناس شبهات كثيرة. انظر: الكتاب والقرآن لمحمد شحرور (معنى الترتيل ١٩٧، معنى الليل ٢٠٦، شهر ٢٠٧) وغيرها ومن ذلك قوله ص ٢٠٨ في تفسير قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)} [القدر: ٥] أَي أَنَّ هذا الموسم موسم إشهارِ القرآنِ سلمه الله لنا وهو سالم يتجدد كل عام ما دام هذا الكون قائمًا وسينتهي هذا الموسم بالنفخة الأولى في الصور وقيام الساعة حيث يحصل الانفجار الكوني الثاني ليتشكل على أنقاضه كون جديد فيه البعث والحساب والجنة والنار ولذا قال: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أمّا فَهْمُ {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} على أنه فجرُ الشمسِ (الصبح) فهو فهم ساذج». أهـ. وهذا الفهم الساذج -كما زعم - هو تفسير جميع المفسرين، فمن يكون هو بمقابلة الطبري والقرطبي وأمثالهم من المفسرين .. انظر: تفسير الطبري (هجر) ٢٤/ ٥٤٨، تفسير القرطبي ٢٠/ ١٣٤، التحرير والتنوير ٣٠/ ٤٦٦.

<<  <   >  >>