للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل وفاة الكسائي بِمدةٍ تسبقُ عامَ وفاة الكسائيِّ، وتُمَكِّنُ الكسائيَّ من قراءتهِ والنَّظرِ فيه ثم الاحتذاء على منواله، وقبل تصنيف أبي عبيدة لمَجاز القرآن أيضًا. (١) وكذلك فإن نص المترجمين لأبي عبيدة على تصنيفه كتابًا باسم معاني القرآن يؤكد هذا القول، ولا سيما مع تكرار نسبة هذا الكتاب وتمييزه عن مجاز القرآن. (٢)

والمَجاز عند أبي عبيدة هو ما يجوز في لغة العرب من تعبيرٍ عن الألفاظ والأساليب. (٣) وقد أراد أبو عبيدة من كتابه أن يفسر القرآن تفسيرًا قائمًا على اللغة، وقد ظهر هذا في اعتماده على الشواهد الشعرية في كتابه، مما دعا كثيرًا من معاصريه إلى انتقاده في منهجه هذا. فقد روي عن سلمة بن عاصم قوله: «سمعت الفراء يقول لرجلٍ: لو حُمِلَ إليَّ أبو عبيدة لضربته عشرين في كتاب المجاز». (٤) وقال التوزي: «بلغ أبا عبيدة أَنَّ الأصمعي يعيبُ عليه تأليفَه المَجاز في القرآن، وأنه قال: يفسر القرآن برأيه، قال: فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقة الأصمعي، فَنَزَل عن حِماره، وسَلَّم عليه، وجلس عنده، وحادثه ثم قال له: يا أبا سعيد ما تقول في الخبز؟ قال: هو الذي تخبزه وتأكله، فقال له أبو عبيدة: فسَّرتَ كتاب الله برأيك، قال الله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} [يوسف: ٣٦] (٥)، فقال له الأصمعيُّ: هذا شيءٌ بانَ لي فقلتُه، ولم أُفسِّره برأيي، فقال له أبو عبيدة: وهذا الذي تعيبُه علينا كُلُّه شيءٌ بانَ لنا فقلناه، ولم نفسره برأينا، ثُمَّ قامَ فركبَ حِمَاره وانصرف». (٦)

ويمكن أن يستنتج من النقد الذي وجه لكتاب أبي عبيدة ما يلي:

أولًا: صحة كونه أول من صنَّفَ في غريب القرآن بهذه الطريقة التي


(١) انظر: معجم الأدباء ١٩/ ١٥٨.
(٢) انظر: الفهرست ٣٧.
(٣) انظر: مجاز القرآن ١/ ١٩.
(٤) نزهة الألباء للأنباري ٨٧.
(٥) يوسف ٣٦.
(٦) نزهة الألباء ٨٨، طبقات النحويين واللغويين ١٧٦، الأضداد لابن أبي حاتم ١٠١.

<<  <   >  >>