للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعتمد على اللغة، دون الرجوع إلى أقوال السلف، بدليل تعرضه للانتقاد من معاصريه، وقد خَفَّ هذا النقد بعد ذلك، واستفاد مَنْ بَعدَهُ من كتابه هذا استفادةً ظاهرةً. حتى إنَّ أحد تلاميذ أبي حاتم السجستاني - تلميذ أبي عبيدة - سأله عنهُ، كما ذكر الزبيدي: «قال مروان بن عبد الملك: سألت أبا حاتم عن غريب القرآن لأبي عبيدة الذي يُقال له المَجازُ، فقال: ما يَحلُّ لأحدٍ أن يكتبه». (١) وقال في موضعٍ آخر: «ما يحلُّ لأحدٍ أن يقرأهُ إلا على شرطِ إذا مَرَّ بالخطأ أن يُبينه ويُغيّرَه». (٢) ولكنه قرأه لتلاميذه بعد ذلك، وسمعوه منه. (٣)

ثانيًا: أن كثيرًا من النقد يرجع إلى المنافسة الشخصية بين المعاصرين، لأنَّ أبا عبيدة لم يقل برأيه وإنما هو يروي عن العَربِ، وهو ثقةٌ فيما يرويهِ، فقد وثقه علي بن المديني وصححَ روايتَه. (٤) وربما يكون قد انفرد لسعة روايته بشيء من الغريب، غير أن هذا ليس بقادحٍ في الثقة به، فقد انفرد غيرُه بأشياء من اللغة. كما أنه قد يجتهد فيقول برأيه شيئًا مبنيًا على ما عرفه من العرب، وهذا ظاهر من قوله للأصمعي: «وهذا الذي تعيبُه علينا كُلُّه شيءٌ بانَ لنا فقلناه، ولم نفسره برأينا». وإن كان قد وقع في أخطاء بسبب اعتماده على اللغة دون الالتفات لتفسير السلف، إلا أنه قد رد العلماء عليه في ذلك وبينوا وجه الصواب فيها، كما انفرد ببعض الآراء الشاذة في النحو كقوله بالزيادة لبعض الأسماء، وقوله بحذف بعضها (٥)، مما لم يوافقه عليه أحد، غير أن هذا لا يقلل


(١) طبقات اللغويين ١٩٤.
(٢) طبقات اللغويين ١٩٤، إنباه الرواة ٣/ ٢٧٨.
(٣) انظر: المصادر السابقة.
(٤) انظر: تقريب التهذيب ٩٦٢، نزهة الألباء ٨٩.
(٥) انظر: مجاز القرآن ٢/ ٢٥٠، ٢٥٧، ١/ ٦٠، ٢٤٠، ٢٨٢، النحو وكتب التفسير لرفيدة ١/ ١٥٦ - ١٧٥.

<<  <   >  >>