للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بدأ الاحتجاج بالشِّعْرِ لتوجيه القراءاتِ مُبكرًا في عهد أئمة القراء الأوائل، فقد كان أبو عمرو بن العلاء البصري (ت ١٥٤ هـ) يَحتجُّ لقراءته بالشعر، كما في قراءته لقوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: ٦٢] (١) بتخفيف اللام في {أُبَلِّغُكُمْ} مِن أَبْلَغَ يُبْلِغُ (٢)، فقد احتج بالقرآن وبالشعر. فأَمَّا القرآن فقد احتجَّ بقوله تعالى: {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} [الأعراف: ٧٩] (٣).

وأما احتجاجه بالشعر فقد احتجَّ بشاهدين، الأول قول عَدِيِّ بن زيدٍ:

أَبْلِغِ النُّعمانَ عَنِّي مأْلكًا ... أَنَّهُ قد طالَ حَبْسي وانتِظاري (٤)

والثاني قول أبي القَمقام الأسديِّ (٥):

أَبْلِغْ أَبا مالكٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... وفي العتابِ حَياةٌ بَيْنَ أَقوامِ (٦)

وأبو عمرو بن العلاء (ت ١٥٤ هـ) يُمثِّلُ باحتجاجهِ للقراءات وتوجيهها، واستشهاده بالشعر على ذلك، مرحلةً متقدمةً؛ لأَنَّهُ إمامُ علماء اللغةِ ورواة الشعر الذين دارت عليهم روايةُ الشِّعرِ باعتبارهِ شيخًا لأَبي


= الطبري، وكان يعدُّهُ أجلَّ شيوخه الذين أخذ عنهم القراءات، والتفسير، والشعر، كما تتلمذ على ثعلب في اللغة. وهو أول من اختار القراءات السبع ودونها مقتصرًا عليها في كتابه السبعة. توفي سنة ٣٢٤ هـ ومن تلاميذه أبو علي الفارسي. انظر: تاريخ بغداد ٥/ ١٤٤، معجم الأدباء ١٨/ ٤٥، معرفة القراء الكبار ١/ ٢٦٩، غاية النهاية ١/ ١٣٩.
(١) الأعراف ٦٢.
(٢) قرأ أبو عمرو واليزيدي {أُبْلِغُكُمْ} بسكون الباء وتخفيف اللام. وقرأ الجمهور {أُبَلِّغُكُمْ} بفتح الباء وتشديد اللام. انظر: السبعة ٢٨٤، حجة القراءات ٢٨٦، إعراب القراءات السبع وعللها ١/ ١٩٠ - ١٩١.
(٣) الأعراف ٧٩.
(٤) المألك: الرسالة. انظر: ديوانه ٩٣.
(٥) هو أبو القمقام بن مصعب الأسدي شاعر سمعه أبو عمرو بن العلاء والفراء وغيرهما، ورد اسمه في كتب الشعر والأدب دون ترجمة. انظر: المبهج لابن جني ٢٠٤، شرح أبيات المغني ٥/ ٣٢٤، شرح الحماسة للمرزوقي ٣/ ١٣٧٧.
(٦) انظر: إعراب القراءات السبع وعللها ١/ ١٩٠ - ١٩١، والبيت في عيون الأخبار ١/ ٩١ ونسب لغيره.

<<  <   >  >>