للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عُبيدةَ، والأَصمعيِّ، وطبقتهم، ولكونه أحد القراء السبعة، وإمام قراء البصرة، وقراءته هي القراءة التي يقرأ بها أهلُ البصرة، وقد رواها عنه تلاميذه، فهو أبو العلماءِ وكهفُهُم - كما وصفه ابن جني (١) -، وأعلم الناس بالقرآن والعربية - كما يقول ابن الجزري (٢)، فهو قارئٌ لغويٌّ إمامٌ في فُنونٍ متعددةٍ.

وقد ذكر أبو عبيدة أَنَّهُ سأل شيخه أبا عمرو بن العلاء عن توجيه قراءته لقوله تعالى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: ٧٧] (٣) حيث قرأها أبو عمرو بن العلاء {لَتَخِذْتَ} (٤) مِنْ (تَخِذَ) لا من (اتَّخَذَ)، فقال أبو عمرو: هي لغةٌ فصيحةٌ، واستشهدَ لَهَا بِقولِ المُمَزَّقِ العبديِّ:

وقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلى جَنْبِ غَرْزِها ... نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ (٥)

وهذا احتجاجٌ لصحة استعمال (تَخِذَ)، وأنه ورد عند العرب في الشعر الفصيح، فقرأ به، وقد اكتفى العلماء بشواهد مفردة للاستشهاد على بعض الأوجه المقروءِ بِها استدلالًا منهم على صحتها، وإن كان المتتبع لدواوين الشعراء سيجد غير تلك الشواهد.

ومنذ زمن أبي عمرو بن العلاء والقراء وعلماء القراءات يتتبعون شواهد الشعر التي تعينهم على توجيه القراءت من حيث اللغة والإعراب


(١) انظر: الخصائص ٣/ ٣٠٩.
(٢) انظر: غاية النهاية ١/ ٢٩٠.
(٣) الكهف ٧٧.
(٤) قراءة الجمهور {لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} بإدغام الذال في التاء إلا حفص فقد أظهرها، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لَتَخِذْتَ} إلا أن أبا عمرو يدغم وابن كثير لا يدغم كحفص. انظر: السبعة ٣٩٦.
(٥) انظر: مجالس العلماء للزجاجي ٢٥٥، والغَرْزُ: هو للناقة مثل الحزامِ للفَرَسِ، والنَّسيفُ: أَثَرُ ركضِ الرجل بَجنبي البعير إذا انحصَّ عنه الوَبَرُ. وأُفْحُوصُ القطاةِ مجثمها وعشها لأنها تفحصه، والمُطَرَّقُ صفة للعُشِّ بمعنى المُعَدَّل، أو صفة للقطاة وهي التي تعالج خروجَ بيضِها، وذُكِّرَ لاختصاصهِ بالإِناثِ فاستُغنيَ عن العلامة. انظر: الأصمعيات ١٦٥، مجاز القرآن ١/ ٤١٢.

<<  <   >  >>