للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتكونَ حجةً لهم أَنَّ الوجه الذي رَوَوهُ من القراءةِ صحيحٌ موافقٌ للغةِ العَرَبِ، وأَنَّهُ ليس خطأً لم تستعمله العرب. وهذا شاهد للركن الذي استقر عند علماء القراءات اعتباره للقراءة الصحيحة وهو موافقة لغة العرب ولو بوجهٍ مِنْ وُجُوهِها. (١) بل إنه يؤثر عن بعض القراء شواهد شعرية خاصة، يستشهد بها لتصحيح قراءته، فقد ذكرَ ابنُ الجَزَريِّ في ترجمةِ أَحْمد بن مُحمدٍ بن عَلْقَمةَ بن نافع النبَّال المتوفى سنة ٢٤٠ هـ، أنه قرأ عليه قُنْبُلُ والبّزِّيُّ. ثم قال: «وروينا عنه أنَّهُ كان يُنْشِدُ شاهدًا على قراءةِ تشديدِ الياء من {حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: ٤٢] (٢)، وهي قراءته التي رواها قُنْبلُ عنهُ:

سَأَلتَنِي جارَتي عَن مَعْشَرٍ ... وَإِذا ما عَيَّ ذُو اللُّبِ سَأَلْ

سَأَلَتني عَن أُنَاسٍ ذَهَبُوا ... شَرِبَ الدَهرُ عَليهِم وَأَكَلْ (٣)». (٤)

وربَّما خَصَّ ابنُ الجزري هذا الشاهدَ بالذكر لكونه حُفِظَ عن النَّبَّالِ دون غيره، وإِلاَّ فإِنَّ المفسرينَ وغيرَهم قد احتجوا لهذه القراءة بشواهد أخرى. (٥) كقول عبيد بن الأبرص:

عَيَّوا بِأَمْرِهِمُ كما ... عَيَّتْ بِبَيْضتِها الحَمامَه (٦)


(١) ذكر العلماء أن القراءة المقبولة لها ثلاثة أركان: صحةُ الإسناد، وموافقة العربية ولو بوجهٍ، وموافقة رسم المصحف العثماني لها ولو احتمالًا. وأهم هذه الأركان صحة الإسناد، وأَمَّا موافقة العربية فلا بد منه، غير أنه يفرق بين هذا وبين موافقة قواعد النحويين. انظر: الإبانة عن معاني القراءات لمكي ٥٨، والنشر ١/ ٩.
(٢) الأنفال ٤٢، وتتمة الآية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: ٤٢].
(٣) البيتان للنابغة الجعدي. انظر: ديوانه ٩٨، ونسبه ابن عطية للبيد وليس في ديوانه. انظر: المحرر الوجيز (قطر) ٦/ ٣٢٢.
(٤) غاية النهاية ١/ ١٢٣ - ١٢٤.
(٥) انظر: إعراب القراءات السبع وعللها ١/ ٢٢٥ - ٢٢٦، المحرر الوجيز ٨/ ٧٧ - ٧٨، الدر المصون ٥/ ٦١٣ - ٦١٤.
(٦) انظر: ديوانه ٧٨، الكتاب ٢/ ٣٨٧، المقتضب ١/ ١٨٢، المنصف لابن جني ٢/ ١٩١.

<<  <   >  >>