للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقول المتلَمِّسِ:

فهذا أَوانُ العِرْضِ حيَّ ذُبابُهُ ... زَنابِيْرُهُ والأزرقُ المُتَلَمِّسُ (١)

وقال أبو عثمان المازني: «قرأتُ على أَبي وأنا غُلامٌ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور: ٤٣] (٢) قال: فقال أبو سوار (٣) - وكان فصيحًا أخذ عنه أبو عبيدة فمن دونه - (خَلَلَهِ)، فقال أبي: {مِنْ خِلَالِهِ} قراءةٌ. فقال: أما سَمِعتَ قولَ الشاعر:

بَنَيْنَ بِغَمْرَةٍ فَخَرَجْنَ منها ... خُروجَ الوَدْقِ مِنْ خَلَلِ السَّحابِ (٤)

قال أبو عثمان: خَلَلُ وخِلالُ واحدٌ، وهما مصدران». (٥) ومع أَنَّ القراءة التي قرأَ بها الجمهورُ هي القراءةُ التي قرأَ بِها المازنيُّ، إِلَّا أَنَّهُ عندما سَمِعَ احتجاجَ أبي سوار بالشاهد الشعري الصحيحِ سَلَّمَ لَهُ، وفَسَّرَ الخَلَلَ والخِلالَ بأَنَّهما بِمعنًى واحد، وأَنَّهما مصدران. وهذه أمثلة متقدمة على وجود الاحتجاج للقراءات بالشعر، والاعتماد على الشاهد الشعري في توجيه القراءات والاحتجاج لها.

وأوجه الاحتجاج للقراءات بالشعر وغيره كثيرة، فتارة يكون توجيهًا نَحويًا من حيث الإعراب، وتارة يكون توجيهًا صرفيًا يتعلق بوزن الكلمة أو اشتقاقها، أو لُغويًا يتعلق بعلم الأصوات، ولغات العرب (لهجاتها)، وأمثالهم، وأقوالهم، وأشعارهم، وقد يكون هذا التوجيه معنويًا تتوقف


(١) العِرْضُ: وادي اليمامة، والزنابِيْرُ: النَّحْلُ، والأزرقُ: ذُبابٌ يَلْسَعُ الحَمير، وسُمِّي المتلمسُ بهذا البيت. انظر: ديوانه ١٢٣، الخصائص ٢/ ٣٧٧، البحر المحيط لأبي حيان ٤/ ٥٠١.
(٢) النور ٤٣، وهذه قراءة الجمهور.
(٣) هو أبو سوار الغنوي، من الأعراب الفصحاء الذين تأثر بهم أبو عبيدة وأخذ عنهم. انظر: مجالس العلماء ٧٥، الفهرست ٦٧، إنباه الرواة ٢/ ٤، ٣٨٣، أبو عبيدة معمر بن المثنى لنهاد الموسى ١٥٦.
(٤) تقدم تخريجه وشرحه.
(٥) المنصف لابن جني ٣/ ٣٣٤، وانظر: تصحيح التصحيف وتحرير التحريف للصفدي ٢٤٨.

<<  <   >  >>