للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقوله تعالى في سورة البقرة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} [البقرة: ٢٩] (١): «الاستواءُ في كلام العرب مُنصِرفٌ على وُجوهٍ:

- منها انتهاءُ شبابِ الرجلِ وقُوَّتِه، فيقالُ إذا صار كذلكَ: قد استوى الرجلُ.

- ومنها استقامةُ ما كان فيهِ أَوَدٌ من الأُمورِ والأسبابِ. يقالُ منهُ: استوى لِفلانٍ أمرُه إذا استقامَ لَه بعدَ أَوَدٍ، ومنه قول الطرماح بن حكيم:

طالَ عَلى رَسْمِ مَهْدَدٍ أَبَدُهْ ... وعَفا واسْتَوى بهِ بَلَدُهْ (٢)

يعني: استقامَ به.

- ومنها الإقبالُ على الشيءِ بالفعلِ، كما يقالُ: استوى فلانٌ على فلانٍ بِما يكرههُ ويَسوءُهُ بعدَ الإحسان إليهِ.

- ومنها الاستيلاءُ والاحتواءُ، كقولهم: استوى فلانٌ على المملكةِ، بِمعنى: احتوَى عليها وحازَها.

- ومنها العُلوُّ والارتفاعُ، كقول القائل: استوَى فُلانٌ على سَريرهِ. يعني به عُلُوَّهُ عليه». (٣)

ثم بعد أن ذكر الطبري معاني الاستواء في لغة العربِ، اختارَ منها قولًا مناسبًا لسياق الآيات، فقال: «وأَولى المعاني بقولِ الله جلَّ ثناؤهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} عَلا عليهنَّ وارتفعَ فدبَّرهنَّ بقدرتهِ، وخَلقَهنَّ سبعَ سَماواتٍ». (٤)


(١) البقرة ٢٩.
(٢) رواية الديوان: طالَ في رَسْمِ مَهْدَدٍ رَبَدُهْ، ومَهْدَد اسم امرأة، والبيت على رواية الطبري مختلف الوزن، فصدره من المنسرح، وعجزه من الخفيف، بخلاف الديوان فوزن القصيدة كلها من الخفيف. انظر: ديوانه ١٩٣.
(٣) تفسير الطبري (هجر) ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧.

<<  <   >  >>