للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من القراءة في ذلكَ عندنَا {إِنَّ} بتشديدِ نُونِها، {هَذَانِ} بالألف؛ لإجْماعِ الحُجةِ من القَرَأَةِ عليه، وأَنَّهُ كذلك هو في خَطِّ المصحف. ووجههُ إذا قرئ كذلك مُشابَهتهُ «الذين»؛ إذ زادوا على «الذي» النون، وأُقِرَّ في جَميع أحوالِ الإعرابِ على حالةٍ واحدة، فكذلك {إِنَّ هَذانِ} زيدت على «هذا» نونٌ، وأُقِرَّ في جَميعِ أحوالِ الإعرابِ على حالةٍ واحدةٍ، وهي لُغةُ بلحرث بنِ كعبٍ، وخثعم، وزَبيد، ومَن ولِيَهُم من قبائل اليمن». (١)

والفراء يعتمد في مواضع كثيرة على الكسائي في نقل لغات العرب، ومن ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: ٢٦٠] (٢): «ضَمَّ الصادَ العامَّةُ، وكان أصحاب عبد الله يكسرون الصاد، وهما لغتان. فأما الضم فكثير، وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائي عن بعض بني سليم:

وفَرْعٍ يَصِيْرُ الجِيدَ وَحْفٍ كأَنَّهُ ... على اللِّيتِ قِنْوانُ الكُرومِ الدَّوَالِحِ (٣)

ويُفَسِّرُ معناه: قَطِّعهنَّ، ويقال: وجِّههنَّ». (٤)

٢ - ومن الأمثلة قول ابن قتيبة عند تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)} [الأنفال: ٥٧] (٥): «أي: افعل بِهم فِعلًا من العُقُوبة والتنكيلِ يتفرَّقُ بِهم مَن ورائهم مِن أعدائِك. ويُقال: شَرِّدْ بِهِم، سَمِّعْ بِهم بلغةِ قريش. قال الشاعر (٦):

أُطوِّفُ ما أُطوِّفُ كلَّ يومٍ ... مَخافةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكيمُ (٧)». (٨)

وحَكيمُ هو ابنُ أُميَّةَ بن حارثة بن الأَوقصِ، استعملتهُ قريش على


(١) تفسير الطبري (هجر) ١٦/ ١٠١.
(٢) البقرة ٢٦٠.
(٣) يُريدُ بالفرعِ الشَّعر التام، والوَحفُ: الأسودُ، واللَّيتُ: صفحةُ العُنُق، وقنوان الكروم: عناقيد العنب، والدوالح: المثقلات بحملها. انظر: معاني القرآن ١/ ١٧٤ ولم أجده عند غيره.
(٤) معاني القرآن ١/ ١٧٤.
(٥) الأنفال ٥٧.
(٦) هو الحارث بن أمية الأصغر.
(٧) انظر: جمهرة نسب قريش ١٩١.
(٨) غريب القرآن ١٥٦.

<<  <   >  >>