للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سُفهائِها، فأَحدثَ الحارثُ بن أميةَ حَدَثًا فَطَلَبَهُ، فَفَرَّ منه، فَهَدَمَ حكيمُ دارَه، فقال أبياتًا منها هذا البيت، ومعنى التَّنْكيلِ والطَّردِ من الدِّيارِ في الشاهدِ الشعريِّ أَولى مِن التَّسميعِ، ولذلك استشهد به القرطبيُّ على أَنَّ التَّشريدَ يأتي بِمَعنى التشريدِ عن الوطنِ والأَهلِ، غَيْرَ أَنَّهُ نَسَبَ الشاهدَ لشاعرٍ مِن هُذيلٍ (١)، وتفسير المفسرين للتشريد في الآية بالتنكيلِ، هو الذي عليه المفسرون، وهو تفسير الضحاك. (٢)

٣ - وقال الطبريُّ عند تفسيره قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: ١٥] (٣) فقال: «بِمَعنى: أَنْ لا تَميدَ بكم. والعَرَبُ قد تَجزمُ مع «لا» - في مثل هذا الموضع - الكلامَ، فتقول: ربطتُ الفَرَسَ لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعضُ بني عُقيل:

وحتى رَأَينَا أَحسنَ الوُدِّ بَينَنا ... مُساكتَةً لا يَقْرِفِ الشَّرَّ قَارِفُ (٤)

ويُروى: «لا يَقْرِفُ» رفعًا، والرفعُ لغةُ أهلِ الحجازِ فيما قيل». (٥)

والطبري في هذا التخريج يسير على نهج الفراء، والشاهد الشعري رواه الفراء عن بعض بني عقيل، حيث قال في تفسيره للآية التي ذكرها الطبري: «ويصلح في (لا) على هذا المعنى الجزم. العرب تقول: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفرر.

وأنشدني بعض بني عُقَيل:

وحتى رَأَينَا أَحسنَ الوُدِّ بَينَنا ... مُساكتَةً لا يَقرفُ الشَّرَّ قَارِفُ (٦)


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣١.
(٢) انظر: مجاز القرآن ١/ ٢٤٨، معاني القرآن للفراء ١/ ٤١٤، تفسير الطبري (هجر) ١١/ ٢٣٦، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٢/ ٤٢٠، الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣٠.
(٣) النحل ١٥.
(٤) البيتُ سَمعَهُ الفراءُ من بعض بني عقيل كما في معانيه ٢/ ٣٨٣، وورد في ديوان الحماسة ٢/ ١٣١.
(٥) تفسير الطبري (هجر) ١٩/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(٦) انظر: شرح الحماسة للمرزوقي ٣/ ١٣٨٦.

<<  <   >  >>