للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: فأنزلت فيهم هذه الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩]». (١)

٣ - عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: ٣٦] (٢) ذكر المفسرون سببَ نُزولِ هذه الآيةِ، وأَنَّها نزلت في أَبي سفيانَ وهو على الشرك يوم أُحُدٍ. قال سعيدُ بن جُبَيْر: «نزلت في أبي سفيانَ بنِ حربٍ، استأجرَ يوم أُحُدٍ ألفيْنَ من الأَحابيشِ (٣) من بَنِي كنانةَ، فقاتل بِهمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهم الذين يقولُ فيهم كعبُ بن مالك:

وجِئْنا إِلى مَوجٍ مِن البَحْرِ وسْطَهُ ... أَحابيشُ منهمْ حَاسِرٌ ومُقَنَّعُ

ثَلاثةُ آلافٍ، ونَحْنُ نَصِيَّةٌ ... ثلاثُ مِئِيْنٍ إِنْ كَثُرنا وَأَرْبَعُ (٤)». (٥)

فقد بَيَّنَ كعبُ بن مالك عددَ جيشِ المشركين وأَنَّهم ثلاثة الآف، وأَنَّهم لِكثرتِهِم يَموجونَ كالمَوجِ، ما بينَ حاسِرٍ لا دِرعَ له، ولا بَيضَةَ على رأسهِ، ومُقَنَّعٍ لابسٍ للدِّرعِ، والبَيضةِ. ثُمَّ إِنَّ هذا الجيش لا يقابله إلا سبعمائة فارسٍ من المسلمين. ولكنهم صفوة الفرسان المقاتلين بدليل قوله «نَصِيَّةٍ»، والنصيَّةُ من القوم هم الخيارُ (٦).

فشواهد الشعر في هذه الآية وأمثالها شارحة لسبب نزول الآية، ومُبينَةٌ أحوالَ نزولِ القرآن في مواضع كثيرة، وقد عُنِيَ بِها الإمام الطبري في تفسيره.


(١) تفسير الطبري (هجر) ٢١/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٢) الأنفال ٣٦.
(٣) الأَحَابيشُ هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وعُضَل، والدّيش، من بَني الهون بن خُزيمة، والمصطلق، والحيا، من خُزاعة، سُمُّوا بذلك لاجتماعها وانضمامها محالفةً لقريش في قتالِ بني ليثِ بن بكرِ بن عبد مناة. انظر: المُحَبَّر لابن حبيب ٢٤٦، نسب قريش ٩.
(٤) انظر: السيرة النبوية ٣/ ١٤١، طبقات فحول الشعراء ١٨٣.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١٣/ ٥٣٠، المحرر الوجيز ٨/ ٦١.
(٦) انظر: أساس البلاغة ٦٣٧ (نصو)، لسان العرب ١٤/ ١٦٢ - ١٦٣ (نصص)، الروض الأنف ٦/ ١٠٢.

<<  <   >  >>